وكان أحمد باشا في هذا الحين أرسل متسلما من طرفه ليتسلم القلعة ، فمنعه الوالي وأهالي حلب وطردوه ، فتوجه المتسلم إلى سيدي أحمد باشا وأعلمه بواقعة الحال ، فاستشاط غضبا وبادر بالحال بتوجهه إلى حلب وأمده حسن آغا أبازة والي قونية بالعساكر والذخائر.
وأما والي حلب مصطفى باشا فإنه قبل مجيء سيدي أحمد باشا جمع من أهالي حلب من يقدر على حمل السلاح وكذا جمع اليكيجرية والسباهية واستعد للحرب ، ولما وصل سيدي أحمد باشا إلى حلب حصل بين الفريقين قتال عظيم. وكان أحمد باشا جمع عساكر ومؤنا من أطراف حلب واستعد للحرب أيضا وقطع الماء عن أهالي حلب ومنع دخول المؤن إلى البلدة وحرق البساتين والكروم والبيوت التي هي في ضواحي حلب واستعمل كل ما يمكنه من أنواع التضييق على أهالي حلب ووقع في الناس كرب عظيم ، وفي هذه المحاربات أبلى رجل أسود من العرب هو زعيم عساكر بيره جيك بلاء حسنا وقتل من عساكر سيدي أحمد باشا عددا كثيرا ، وأخبار شجاعة هذا الرجل وفتكه لم تزل مستفيضة يتحدث بها الناس إلى اليوم.
وبعد مضي شهرين من الحصار ضاق الحال على الأهالي كثيرا ورفعوا أمرهم إلى الآستانة شاكين من هذه الأحوال مظهرين عجبهم من تعيين مثل هذا الظالم عليهم ، وطلبوا تعيين غيره بأي صورة كان ، فأرسلت الدولة الأوامر إليه مرتين بلزوم رجوعه وتركه الحصار ، فلم يصغ لأوامر الدولة وثابر على محاصرة إلى حلب. ومن جملة مضايقته أنه أمر عساكره بنقل التراب ووضعه أمام باب الفرج فصار هؤلاء ينقلون ذلك ، وعلا التراب حتى سامت السور (١) وفي أثناء مدة الحصار كان أهالي حلب يرسلون الرسل إلى مقر السلطنة يعلمون رجال الدولة بهذه الأحوال وأن الحال إذا بقي على هذا المنوال فإن هذا الظالم لا بد من دخوله واستيلائه على البلدة.
__________________
(١) أقول : هذه الأتربة بقيت مكردسة وصارت روابي متصلة مسافة عشر دقائق واشتهرت باسم التلل وقد أدركناها على تلك الحال ، وفي نواحي سنة ١٣١٠ أزيلت جميعها في مدة سنتين أو أكثر وبني مكانها دور عظيمة ووسمت تلك الدور بمحلة التلل.