على الأخص منها أهل العلم والصلاح والذمة آنا فآنا تترى من قبله إلى ولاة حلب ومنها إلى متسلميها من حكام الإدارة والسياسة ، وما زالت هذه عنايته بها مدة حياته الأمر الذي حمل أهالي القرى التي حولها إلى تحويل الوجهة بالهجرة إليها والسكنى بها. وكانت نحوا من ثلاثين قرية وها هي محالها الآن مزارع ومغارس لأهلها اليوم ، وكذا رغب الانحياز إليها كثير من أهالي البلاد الدانية منها كالجسر وحارم وأنطاكية والمعرة وريحا وسرمين ومعرة مصرين والقاصية عنها كاللاذقية والأدهمية ودمشق وحمص وحماة وحلب ، تلقب إلى اليوم بقايا تلك العائلات فيها بأسماء محلاتها الأصلية فلا تعرف إلا بالنسبة إليها.
فمما تقدم عظم شأنها وراجت بضائعها ونمت زراعتها وكثرت صنائعها واتسع نطاقها وطاب الاستقرار بها حيث أصبحت مأمنا لكل خائف ومأمولا لكل آمل ، تختال سكنها تيها بتلك الامتيازات الملوكية في بحبوحة من العيش متدرجة يوما فيوما على درجات الارتقاء إلى ذروة السعادة والنجاح دون خلود إلى راحة الخمود والجمود كما هي عليه اليوم ، ولا أدري إلى ماذا يكون مصيرها إذا لم تستيقظ من سباتها وتسعى سعيها في استرجاع ماضيها الزاهر ورقيها الباهر.
ما سبب شهرتها بالأزهر الأصغر :
بقدر ما كانت تجارة هذه البلدة راقية وشؤونها العمرانية زاهية نامية كانت من الوجهة العلمية أرقى درجة وأسرع حركة وأبعد صيتا وأعظم شهرة ، فقد أنجبت فيما سلف من أهل العلم والعرفان أئمة عظاما شاع ذكرهم وعبق عطرهم ، شهدت بفضلهم أعلام الأمصار وسارت سيرتهم كالشمس في رابعة النهار. أخص بالذكر منهم تنويها بشأنهم لا استقصاء لعددهم الإمام الكبير الشيخ أحمد الكاملي وولده المفتي الشيخ ياسين والأستاذ الجليل السيد الشيخ إسماعيل الكيّالي وأولاده الخمسة وأشهرهم السيد شعيب من أشياخ السيد مرتضى الزبيدي شارح الإحياء والقاموس كما ذكره في مادة (كيل) فيما استدركه من الكلمات على القاموس المحيط وترجمه المرادي الدمشقي في تاريخه سلك الدرر ، والعلّامة الكبير الشيخ عمر الفيومي والشيخ صالح الحميداني الكبير أحد تلامذة السيد شعيب المشار إليه والمحشّي لكتابه الوامق ، والشيخ علي الجوهري والشيخ عبد الرحمن الجوهري الكبير ، والشيخ شومان الشهيد الذي نوّه بشأنه الشيخ أبو السعود الكواكبي الحلبي في إحدى مجموعاته والشيخ السلموني والشيخ يوسف الحمداني والعلّامة الأسقاطي الأزهري