يرد إليه من واردات تلك الجهات أخذا وإعطاء ومبادلة إنما يصدر على الغالب بواسطة تجار إدلب وقوافلها وعملاتها لتوسط مركزها بين المدينتين اللاذقية والشهباء ، فكانت آنئذ واسطة العقد بينهما ومركز الدائرة لما التفت حولها من البلاد. ولما رأى الصدر الأعظم للدولة العثمانية في أوائل القرن الحادي عشر أهمية مركزها الجغرافي والتجاري وجه إليها نظر الاعتناء فزاد في عمارتها عمارات كثيرة ورتب أسواقها على نسق أسواق المدينة في حلب فجعل لكل حرفة وبضاعة سوقا خاصا ، وانضمت إليها بمدة وجيزة محلتها الكبرى إدلب الشمالية وكانت المسافة بينهما مقدار ألف متر فصارتا كتلة واحدة ، وعندئذ توسع نطاقها واتسع سورها ، وكان له بابان فصار له خمسة ، أما اليوم فلم يبق للسور من أثر إلا ما كان من بعض أحجار في الباب الغربي الجنوبي غائصة في الأرض وهو الذي يدخل منه إلى بازار الدواب ، وكذا الحجر السفلي من الباب الغربي الشمالي الذي يدخل منه إلى محلة الشهيد وفخذ الباب الجنوبي الواقع غربي تربة الإمام الكاملي وبعض رسوم جادة لبوابات تلك الأبواب.
ومن عمارات الصدر المشار إليه الباقية للآن الخان المعروف بخان الرز الكائن أمام الجامع المنسوب إليه وسوق البازركان المتصل به.
ثم إنه بعد أن أتم نظامها على ما سلف أصدر أمرا سلطانيا جاء في بعض مواده إعفاء أهل هذه البلدة وكل من يأوي بالسكنى إليها من كافة التكاليف السلطانية حتى من الأعشار المشروعة مدة عشرين سنة على أن تعود تلك الأعشار خاصة بعد المدة المضروبة إلى مصالح الحرمين المحترمين المكي والمدني ، وأن من لجأ إليها على سبيل الإقامة والاستقامة أمين في سربه من كل غائلة لا يسأل من طرف الحكومة عمّا فعل ولو كان جانيا جناية القتل ؛ ومعلوم ما كان إذ ذاك من استعظام تلك الجريمة بعكس اليوم (فما أكثر الجرحى وما أرخص القتلى) وأن من ينسب إلى الخرقة العلمية سواء كان من أهلها أو من سواها يكون على غاية من العناية والرعاية إلى غير ذلك من الامتيازات التي من أهمها حصر عمل الصابون في معاملها وحظره على سائر البلاد السورية وإخطاره الحكومة في كافة الجهات من المخالفة بشديد المعاقبة ، فمن ثمة اشتهرت بإدلب الصابون وصارت كعبة القصد سيما وقد وطد أمر الحكومة بها على دعائم العدل المفرط وخصص لها قوانين خاصة بها امتازت بها على كافة ما جاورها من البلدان ، على أن تواصيه كانت ملتزمة متوالية بشأنها وشؤون سكانها