ومناظرات لو تدوّنت لشكلت حجم كتاب ضخم سنأتي على بعض ما وصلنا منها في تاريخنا المنوي إن شاء الله إنشاؤه.
إجمال أحوالها :
وبالجملة فإن تطورات هذه البلدة في الأدوار السالفة عجيبة جدا ، فتارة قرية وتارة قصبة وتارة قضاء كبيرا وطورا منحطة ، سنة الله في ملكه. أما حالتها اليوم ففي دور التوقف عدا حالتها التجارية فإنها هاوية إلى أسفل دركات الانحطاط لتوقف حالة التجارة في اللاذقية منذ أهمل مرفأها الذي كان عامرا قبل خمسين سنة على حين لم يكن لمرفأ الإسكندرونة من ذكر ، وقد أشرنا إلى هذه النقطة آنفا ، وهناك أسباب أخر ، منها رفع انحصار عمل الصابون في إدلب وإباحته لبقية البلاد السورية وقد كان كما علمت محصورا بها محظورا على غيرها ، ومنها مرور السكة الحديدية بين دمشق والشهباء في الأراضي الخالية من الأملاك المدورة البعيدة عنها دون مرورها بها مع اتصال خط (الشوسة) من ثغر الإسكندرونة إلى حلب بحيث أصبحت كالثغر الوحيد للداخل كما كانت اللاذقية في السابق ، وكان العقد بينها وبين الشهباء وضواحيها مركز إدلب ، إلى غير ذلك مما يطول بيانه.
وأما حالتها من الوجهة العلمية فبهذه النسبة منحطة جدا سيما في الأيام الأخيرة عندما اضطرمت نيران الحرب العامة وأتت على الرطب واليابس ومزقت وثائق الامتيازات التي منها امتياز أهل العلم وطلابه باستثنائهم من الخدمة العسكرية ، فإن الطلبة في إلغاء تلك الامتيازات تفرقت في مواقع الحروب أيدي سبا ، ومعاهدها العلمية لفقد مجاوريها تعطلت وأكثرها اليوم متداع إلى الخراب بعد أن كانت بأهلها آنسة عامرة تضاهي معاهد العلم في معظم البلاد الراقية.
وأما حالتها من الوجهة العمرانية فهي منذ خمسين سنة حتى اليوم مركز قضاء كبير يليق أن يكون لواء من جهات متعددة ، أهمها احتواء هذا القضاء على نواحيه الثلاث : ريحا ، سرمين ، معرة مصرين ، ويتبعها ما ينيف عن مائتي قرية ومزرعة وقد استدارت بمواقعها الطبيعية حول مركز هذه البلدة كاستدارة أشجار الزيتون بها ، وعلى هذا الشكل قد