التف حول هذا القضاء الأقضية المجاورة كالمعرة والجسر وحارم وسمعان ، وأراضي كل من هذه الأقضية متاخم لأراضي هذا القضاء ، وبين كل منها وبينه غاية التلازم والتلاحم والتداخل في الأخذ والعطاء وأكثر المعاملات السائرة.
ولو أمعنت حكومتنا اليوم في هذه النقطة المهمة لما وسعها إلا تشكيل هذا القضاء لواء بالاستحقاق ، ولا يخفى على العارفين ما ينجم عن ذلك من الرقي والنجاح فيما يعود على الدولة والملة بالفائدة المادية والأدبية ، على أنه بلغني أن الحكومة كانت عزمت على ذلك بيد أنها تأخرت عن التشكيل ريثما تساعدها الظروف ويتسنى لها إبراز هذه الفكرة إلى حيّز العمل والإجراء.
وأما حالتها من وجهة الأمور الخيرية ومسائل الأوقاف فهي كحالتها من الوجهة العلمية والتجارية منحطة جدا ، وعلى كثرة معابدها ومساجدها ورباطاتها كانت أوقافها كثيرة العدد وافرة الغلة ، وعلى هذه الكثرة قد أخنى عليها الدهر وتداولتها أيدي المتنفذة باسم التولية تارة وباسم التحكير أخرى ، حتى إن كثيرا منها لو لا عناية مجاوريها من أهل المساعي الخيرية يجمعون من جيوبهم غلة ينفقونها في مرمتها لذهبت كذهاب أوقافها بالعين والأثر.
مما أسلفناه لك أيها القارىء الكريم في هذه المقدمة عن تاريخ هذه البلدة [وكلها حقائق ناصعة ثابتة بالبيان والعيان] تعلم درجة أهميتها وأهمية مركزها وشؤونها في أطوارها وأدوارها وما كان لها من الماضي الزاهر والتاريخ العجيب بحيث لو كان مدونا لكان تاريخا مجيدا ، لكنها مع كمال الأسف لم يكن لها حظ من يراع المؤرخين ممن تقدم أو تأخر حتى ولا من أهلها على كثرة كتابها ونبغائها قديما وحديثا وحتى هذه الساعة ، بل إن أكثر حوادثها وما يتعلق بشؤونها التاريخية يرويها منهم الخلف عن السلف أخذا من الأفواه وحفظا في الصدور كما كان عليه رواة الأحاديث عند إرادة تدوينها في الصدر الأول. ومن العجيب أن أكثر المؤرخين قد أرخوا لكثير من قراها ولواحقها المحاذية لها على غاية القرب منها كبكفلون ودانيث وترنبة وسرمين وضربوا صفحا عن ذكرها إلا ما كان على طريق الاستدراك كما فعل الزبيدي في شرح القاموس ، وقد سبقت إشارتنا إليه ، أو الاستطراد بذكر البعض