حجرة واسعة اتخذت مكتبة ووضع فيها كتب قيّمة من المخطوطات ، ومنذ أربعين سنة أهداها المرحوم تقي الدين باشا المدرس والي بغداد ومكة كتبا مخطوطة ومطبوعة ، غير أن الأيدي قد لعبت بهذه المكتبة وسرق منها معظم نفائسها ولم يبق منها إلا القليل وذلك لإهمال متولي الوقف وقيّم المكتبة أمرها ، وقد شرط أن تكون مفتحة الأبواب يومين في الأسبوع كما تقدم ولا تفتح الآن إلا بعد الإلحاح في طلب الفتح ، ومن أسباب ضياع الكتب فيها إعارتها للمجاورين ثم عدم السؤال عنها أو التفتيش عليها ، فكان ذلك سبب تبعثرها ، وآخر ما سمعت عن هذه المكتبة أنه كان فيها نسخة نفيسة الخط جدا من تفسير القاضي البيضاوي كأنها كتبت بقلم واحد وهي مذهّبة استعارها بعض بسطاء الطلبة من بضع سنين فوضعها في شباك حجرته فمر من مر فرآها هناك والشبّاك مفتوح فسرقها. وإنّي لا أرى وجها لإخراج الكتب من المكتبة لأجل الحضور فيها ومثل البيضاوي يباع المطبوع منه بقيمة زهيدة لا يعجز الطالب مهما كان فقيرا عن قيمته ، وبالجملة لا أثر للانتظام في هذه المكتبة وحالتها تتفطر لها قلوب محبي المطالعة والاطلاع ، ولا أدري يسمح الزمان بتعويض ما فقد منها وتنظيم شؤونها وجعلها صالحة للاستفادة في كل وقت شأن الأمم الراقية في مكاتبهم.
ومما لا ريب فيه أن هذه المدرسة لا نظير لها في البلاد السورية وكثير من البلاد الإسلامية في ضخامة بنائها وسعة أرجائها وغزارة وقفها ، ومع هذا فإنها لم تخرج لنا منذ مائة عام إلى الآن من العلماء ما يبلغ عد الأصابع ، وهي ككثير من المدارس العلمية التي في حلب أصبحت منذ مدة طويلة ملجأ للكسالى ومأوى للعجزة وذلك لإهمال متوليها أمورها وعدم تقديرهم العلم حق قدره ، ومنذ سنتين اهتم بأمرها السيد يحيى الكيالي مدير الأوقاف الحالي وأخرج منها من كان مقيّدا فيها وطالت مدته ومن لا يرتجى الخير في بقائه وقيد فيها طلبة من جديد وكلف المتولي أن يعطي لكل مجاور ليرة عثمانية ذهبا في كل شهر بعد أن كان ٤٦ قرشا ، وزيد في سنة ١٣٣٦ إلى ٩٥ قرشا لارتفاع أسعار الليرة العثمانية من ١٢٧ قرشا إلى ٢٥٠ ، وكلّف مدرسيها المعينين فيها أن تكون قراءتهم للدروس في أوقات معينة ، وكتب كذلك على مقتضى البرنامج الموضوع للمدرسة الخسروية وأصبحت تابعة للامتحانات السنوية ، وبذلك انتظم أمر التدريس فيها بعض الانتظام ولعله بعد ذلك تزداد انتظاما فتخرج لنا رجالا عالمين عاملين فتنتفع بهم العباد والبلاد.
ومنذ عهد قريب راجع المجاورون فيها المحكمة الشرعية طالبين قيمة ما هو مقدر لهم من الأطعمة على مقتضى شرط الواقف المتقدم ، وبعد أخذ ورد حكم لهم أن يتقاضوا في كل