الرأي السديد والحزم والتدبير ، كريم الشيم والأصول ومن جمع من أنواع المزايا وشرائف السجايا وبدائع الكمالات ما لا تحيط به العقول.
ذا وزير لم يأل في النصح جهدا |
|
ظل يسعى بكل أمر حميد |
ومتى عدّ آل عثمان جمعا |
|
يا لعمري فذاك بيت القصيد |
كان من رؤساء الوزراء عفة وكمالا وعدلا ودينا وسخاء ومروءة وشجاعة وفراسة وتدبيرا ، وكان واسع الرأي مهابا بحيث يتفق أنه يفصل الخصومة بين الشخصين بمجرد وقوفهما بين يديه ونظره لهما ينقاد المبطل للحق ، وهذه المزية قد استأثر بها ، وكان يحب العلماء والصلحاء والفقراء ويميل إليهم الميل الكلي ويكرمهم الإكرام التام باليد واللسان ، ذا شهامة وافرة وشجاعة متكاثرة وحرمة واحتشام وكمال مشهور في الأنام ، طاهرا من كل ما يشين مشغول الأوقات إما بفصل الخصومات بين المسلمين أو بتلاوة كتاب الله المبين أو بالصلاة على سيد المرسلين أو اصطناع يد أو إسداء معروف إلى أحد من المساكين ، لم تسمع عنه زلة ولم تعهد له صبوة ولم يوقف له على كبوة ولا هفوة ، ميمون الحركات والسكنات مسعودا في سائر الأطوار والحالات بحيث إنه لم يتفق له توجه إلى شيء إلا ويتمه الله له على مراده ، ولم يتعاص عليه أحد إلا ويكون هلاكه على يديه. ولد بدمشق سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف وبها نشأ وقرأ وحصل وبرع وتنبل ، ثم ذهب إلى حلب سنة ثلاث وستين ومائة وألف مع خاله الوزير الشهير سعد الدين باشا لما وليها ودخل معه طرابلس مرات ، ثم استقام بدمشق وعكف على تحصيل الكمالات إلى أن بلغ مصطفى خان وفاة الوزير سعد الدين باشا فنظر إلى المترجم بأنظار اللطف وأنعم عليه برتبة أمير الأمراء بروم إيلي مع عقارات خاله أسعد باشا الشهير ، فترقى بذلك أوج السعادة ، وبعد برهة من الزمان أنعم عليه برتبة الوزارة فأتت إليه منقادة مع الإنعام بمنصب صيدا وذلك سنة ست وسبعين ومائة وألف ، فنهض من دمشق إليها وسار السيرة الحسنة بين أهليها ، ثم انفصل عنها وولي حلب فدخلها رابع عشري شعبان سنة سبع وسبعين ومائة وألف ، وكانت حلب مجدبة ولم يصبها المطر فحصل بيمن قدومه كثرة أمطار ورخاء أسعار ونمو زروع وعامل أهلها بالشفقة والإكرام ورفع عنهم من البدع ما كان ثلما في الإسلام فأثلج بذلك الصدور وأحيا معالم السرور ، منها إزالة منكر كان قد حدث بها سنة إحدى وسبعين ومائة وألف ، وذلك أنه جرت العادة في بعض محلاتها أن تفتح حانات القهوة ليلا وتجتمع بها الأوباش إلى أن زاد