وقتلوا نفرا ممن وجدوه فيها. ثم انضم إليهم أهل باقي المحال التي خارج السور وأقبلوا يكبسون ما كان فيها من منازل العسكر ويقتلون من يلقونه فيها إلى الصباح ، ولم يسلم من جند الوالي الذين كانوا في تلك المنازل أو في أبواب السور سوى من فاز بنفسه هربا فلحق بقصر الشيخ أبي بكر أو لجأ إلى القلعة.
وكان في المدينة من قبل الوالي موظفان آخران غير المتسلم أحدهما يعرف بالجوخدار والآخر بالأربا أميني ، فلما علما بالثورة هربا وحث الجوخدار ابنه على الهرب أيضا ، إذ كان قد علم أنه ليس له بالثائرين طاقة ، فأبى أن يبرح مكانه فحصره الثائرون ونقبوا عليه داره ففر من السطح إلى دار جاره واختفى في مغارة هناك ، إلا أن بعض الناس أبصر به وهو يتسلق حاجزا بين سطحين فدل عليه طائفة من الثائرين فأخرجوه من المغارة وقتلوه ومثّلوا به وألقوا جثته من إحدى الكوى إلى البرية.
ثم صارت طائفة منهم إلى الزقاق المعروف بالطويل ، وكان فيه منزل لجند الوالي فحصروهم فيه وضيقوا عليهم ، فأضرم الجند النار في أرجائه فاحترق واحترق معه ما كان يلاصقه من دور الناس ، فاشتغل الثائرون بإطفاء النار ففاز الجند بأنفسهم هربا. وقد تقدم أن المتسلم كان مقيما بدار الولاية وهي في المدينة داخل السور ، وكان آخرون من أصحاب الوالي وعماله مقيمين بقناقات أي دور داخل السور أيضا ، فكان كاتب السر مقيما بالقناق المعروف بدار بني الجزماتي في محلة العريان ، وكان المحصل مقيما بدار عمر طه زاده بالقرب من جامع البهرامية في محلة الجلّوم ، فلما علم قاضي المدينة بالثورة أتى دار الولاية وشاور المتسلم في الأمر وقر رأيهما على الخروج من المدينة فخرجا منهما لساعتهما وصحبهما أيضا نفر من الأعيان المنتمين إلى حزب السيدة وفيهم أولاد إبراهيم باشا قطر آغاسي وغيرهم ولجؤوا جميعا إلى قصر الوالي ، فلما رآهم الوالي وافدين عليه لائذين بقصره وعلم بما تم على جنده أخذته سورة الغضب وأمر بتسديد المدافع على محال الثائرين ورماها بكرات الحديد التي يقال لها قنابر في اصطلاح العامة.
وفي صباح يوم الأحد الرابع والعشرين من تشرين الأول أتى بعض المنظورين من حزب الأنكجارية إلى دار كاتب السر وأشاروا عليه أن يخرج هو أيضا من المدينة وضمنوا له أنه لا يتعرض له أحد حتى يحصل في مأمنه ، فأبى إلا القتال (١) ، فهجم الثائرون داره
__________________
(١) قيل إنه كان سكيرا وإن السكر سوّل له أن لا يبرح مكانه.