وحصروه فيها ثم نقبوها عليه وقتلوه وقتلوا اثنين وعشرين رجلا من الجند كانوا معه ، ثم أتوا دار الولاية وكان فيها أخو المتسلم وقد انضوى إليه صاحب الشرطة ونفر من الشرطة والجلاوزة وخدام الإصطبل والمطبخ وذلك نحو من أربعمائة نفس فحصرهم الثائرون في دار الولاية وأحرقوا آخر الأمر ما كان يحاذيها ويلاصقها من الأسواق (١) وضيقوا عليهم وقطعوا عنهم الميرة مدة أربعة أيام حتى أضر بهم الجوع وخارت قواهم وضعفوا عن الدفاع ، فنقبوا عليهم وقتلوا منهم نفرا وفرّ باقوهم إلى برج القلعة ، ولجأ صاحب الشرطة وابنه وأخو المتسلم إلى القلعة نفسها ، وكان ذلك يوم الخميس الثامن والعشرين من تشرين الأول.
وكان المحصل قد خرج من منزله وأبقى فيه مقدم الأرناؤوط في مائة وسبعة وعشرين رجلا منهم فحصرهم الثائرون ونصبوا حول المنزل متاريس وأقبلوا يرمونهم من ورائها ولم ينالوا منهم أربا إلا بعد مشقة ، وذلك أن الأرناؤوط تحصنوا بجامع البهرامية. وكانوا يطلقون الرصاص من مأذنته وكواه على الثائرين ولا يمكنونهم من الدنو ، ثم اضطروا آخر الأمر إلى التسليم وراسلوا في ذلك زعماء أهل المدينة ، فجاءهم شيخ من العلماء المنظورين وأمنهم على أنفسهم ونزع منهم السلاح وأتى بهم إلى داره مستسلمين.
ثم رأى الثائرون أن المصلحة في تخلية سبيلهم ، فأطلقوهم ثاني يوم بعد أن أجازوهم تحت السلاح (٢) ، ولما مضى على الثورة أسبوع ولم يبق في المدينة ولا في الربض من جند الوالي أحد إلا من كان محصورا في القلعة رأى الثائرون أن الجو قد خلا لهم فطمحت أبصارهم إلى التسطي على الوالي في قصره ، فخرجوا من الأبواب في التاسع والعشرين من تشرين الأول وحلوا في هضبة تقابل القصر وتعرف بجبل العظام (٣) وشرعوا يطلقون منها الرصاص على القصر ، فأمر الوالي فأطلقت عليهم المدافع ، واستمر الثائرون والجند يتناوشون القتال أربعة أيام والحرب بينهم سجال حتى عنّ للثائرين من أهل محلة آق يول (أغير) أن يهجموا القصر فهجموه يوم الثلاثاء الثاني من تشرين الثاني ، فانبرى لهم الجند ورفعوهم عنه ، وكانت هذه أول وقعة ذات بال جرت بين الثائرين والجند وهلك فيها خلق كثير من الفريقين.
__________________
(١) مثل سوق العبي وسوق الدهشة والضرب وقراقماش والصابون.
(٢) وذلك أنهم شبكوا من بواريدهم ما ينيف على عشرة آلاف بارودة في باب الحديد وجعلوها على هيئة أزج وأجازوهم ليلقوا الرعب في قلوبهم ويظهروا للوالي أنهم ذوو نجدة وبأس شديد لا ينقصهم العدد ولا العدد فعبروا تحته وأفئدتهم تخفق من الخوف اه منه.
(٣) ولعل ذلك لكثرة ما يرى فيها من العظام المستحجرة اه منه.