نحن في ذا الحال. إذ نزلت علينا شهب من السماء تتلامع. ورآها غالب من كان في ذات العواصم يتبايع. ثم اشتد الظلام في تلك الليلة حتى غاب سناها. وصار الواحد منا إن أخرج يده لم يكد يراها. فأيقنّا إذ ذاك هول يوم القيامة. ثم لما تذكرنا ما أعدّ لها من العلامة. علمنا أن هذه هي المقدمات. وأنها لعبر وعظات. فبعد خمس من الدقايق. زال الظلام من المغارب والمشارق. ونظرنا إلى أنفسنا كأنّا خرجنا من القبور. وعلينا التراب مغط للثياب وللشعور. ثم التفتنا إلى الربوع والقصور. فرأيناها قاعا صفصفا كهيئة الجبال يوم النشور. فاشتغلنا بالحسبلة والحوقلة. خشية من الاسترجاع واستعذنا بالله من هول تلك الزلزلة. وافتقدنا الأهل والأقارب. والأباعد والأجانب. فإذا قد فقد منهم نحو عشرة آلاف. كلهم كفنوا بثيابهم أو فراش أو لحاف. وخرجنا من البلدة إلى الصحراء. واشتدت بنا جميعنا البلواء. إلى أن برزت شموس الذات الأحمدية. وجالت فرسان الهمة الآصفية. في ميدان روضة بلدتنا البهية. فنادى من قبله منادي السرور. أن أبشروا فقد زال العناء من الصدور. وقد آن أوان العفو من الرب الغفور. فسكنت الأرض واستقرت. ولو لا الله دامت حركتها واستمرت. وأنسنا بقدوم جنابه العالي. وإنما بقدوم جنابه العالي انتظم شملنا كنظم العقود في اللآلي الخ.
(أقول) : تهدم في هذه الزلزلة أيضا ما كان أمام باب القلعة من الدور والأسواق والمدارس والجوامع يبتدي ذلك من جانب خان الفرّايين غربا إلى المحلة المعروفة بساحة الملح والمحلة المعروفة بالمزوّق والمحلة المعروفة بباب الأحمر شرقا ، وإلى حدود محلة القصيلة ومحلة السفاحية شمالا ، ولم يبق مما كان ثمة من الأبنية سوى مدرسة خسرو باشا والزاوية المعروفة بزاوية الشيخ تراب وجامع الأطروش والمدرسة السلطانية والحمام المعروفة قديما بحمام الناصرية المشهورة الآن بحمام اللبابيدية. وقد لحق هذه الأماكن شيء من الخراب أيضا وبقيت تلك الأماكن قاعا صفصفا إلى سنة ١٣٠٠ فتجدد فيها في أول هذا القرن ثلاثة خانات شرقي خان الفرايين ثم خان آخر بينها وبين المدرسة الخسروية وهو الخان المعروف بالشونة. وقد دخل فيه بقية سوقين كانا للمدرسة المذكورة كما قدمنا ، وجدد ثمة في الجهة الغربية مستشفى للغرباء واسع جدا شرع في عمارة هذا المستشفى سنة ١٣٠٢ أثناء ولاية المرحوم جميل باشا ، وبعد أن ارتفع البناء فيه مقدار ثلاثة أمتار عزل الوالي المذكور فأهمل البناء فيه وبقي على هذه الصورة تأوى إليه الكلاب وأرباب الفساد إلى سنة ١٣١٧ ، فسعى رؤوف