نحو السبعين وعسكر إبراهيم دون العشرين ألفا بيقين ، فأول من خان وباشر بالفرار سر العسكر إنج بيرقدار وفي معيته جماعة من الوزراء وبعض رؤوس هذه الأطراف من الوجوه والأمراء ، فولوا على أدبارهم هاربين تاركين ما وراءهم من العساكر والذخائر وللنجاة طالبين إلى أن دخلوا بلدتنا المسماة بإدلب الصغرى فصادفوا بها حلول ركاب سردار المملكة الآتي لمعاونة وزير عكا المتقدم ذكرا ، فحين شاهد منهم السردار الفرار وسوء المنقلب احتوشته مخاوف الدهر فانحاز بهم وبما معه من الأجناد إلى مدينة حلب.
وقد كانت وجهته الدولة العلية بالذخائر والأجناد إلى مساعدة وزير عكا في رد أولي البغي والإلحاد ، فلم يزل ممتطيا مطية التواني والكسل حتى نزل بعكا وغيرها من البلاد ما نزل ، فأقام والوزراء بحلب أياما قلائل يلتمس من أهلها مدافعة شر إبراهيم الهائل ، فلم يجبه أحد لمراده واختلفت كلمة أنصاره وأجناده ، فبينما هو في لجج الأفكار غارق وإذا بخبر توجه إبراهيم نحوه طارق ، فبادر ومن معه الرحيل والهرب وإبراهيم في إثرهم يطلبهم أشد الطلب ، إلى أن وصلوا إلى قرب بيلان تصدوا لمحاربته ساعة من الزمان ، فغلبهم بسحره القاطع وخداع حربه الشائع ، فانقلبوا ناكصين على الأعقاب وحاز على ما بقي معهم من الذخائر والأطواب.
(ثم قال بعد أن ذكر توجه إبراهيم باشا إلى قونية واستيلائه عليها وأسره للصدر حسبما قدمنا) : ومنها (أي من أفعاله) أنه عندما حصل له في البلاد الأمن والتمكين شرع في تعداد أفراد المسلمين ، إلا الصبيان والنساء وبعضا من مشاهير العلماء ورتب على كل واحد الجزية في كل عام وسماها إعانة الجيش على الحرب والاصطدام ، فكانت تؤخذ من الذمي باللين والرفق والصبر ومن الشريف بالشتم والضرب والقهر ، ويعطى المسلم بعد دفعها قطعة قرطاس كي لا يكون بينها وبين الجزية أدنى التباس ، فمن كان ذا مال أداها من ماله الذي ملكه ومن كان فقيرا تكلف الاستعطاء لينجو من العذاب والهلكة ، فتؤخذ من الفقير في كل سنة من القروش خمسين ومن الغني ذي الثروة خمسا من المئين. (ومنها) ما رتبه على أنواع الحبوب وسماه بالشون وعلى جميع الأشجار من كرم وتين ورمان وزيتون. (ثم قال) : ومنها هدمه لكثير من المساجد والمدارس وإتلاف ما فيها من الزخارف والنفائس وأخذ أحجارها لأن يبني بها قشلا وإصطبلات للدواب حتى صارت رحباتها مواضع المزابل والأقذار وروث الكلاب ، وقد اتخذ كثيرا من المساجد العامرة مرابط لخيول عساكره ومخازن لآلات حربه وذخائره. (ثم قال) :