الجواب عما سأل سلكوا طريق الاستنباط والحيل تغطية لحقيقة مقاصدهم وسترا لما أكنته ضمائرهم ولو صدقوهم القول لا قتتل الفريقان وقتئذ وهدرت دماء كثيرة ، فقالوا له : إنا لا نرضى بضم الويركو ولا نعطي عسكرا ، فقال لهم : تعرفون شغلكم ، ثم قالوا له : نريد أن ننهب القشلة والنصارى ، فقال لهم أيضا : تعرفون شغلكم. ووجدت هذه الكلمة آذانا صاغية من الفريق الآخر وما ذلك إلا لاستيلاء الجهل عليهم واستحكامه في قلوبهم ، فوافقوهم على اقتراحهم ، وتوجهت الفئتان إلى محلة الجديدة وكان رؤساؤهم أحمد حميدة وهو الزعيم وشنكان وأبو عبد الله الحشك وأحمد العباس والحاج مصطفى سفقلو والحاج حومد ابن سليطين وعلوش السعيد ومعهم نحو المائتين وأخذوا في نهب محلة النصارى ، وظلت هذه الفتنة قائمة ثلاثة أيام ولم تكن قاصرة على بيوت النصارى بل تعدت إلى بيوت المسلمين ودكاكينهم فنهبوا منها ما أمكنهم نهبه من حقير وجليل ، وانهزم في هذا الأثناء الحاج يوسف بك أشريف والحاج أشريف وخرجت نساؤهم إلى بيوت أخر ، وقبض هؤلاء الجهلة في ذلك الحين على تقي الدين أفندي المدرس مفتي حلب إذ ذاك عند سبيل دالي محمود وكان مارا في هذا المحل وهو راكب ، فأنزلوه عن دابته وحاولوا ذبحه فأخذ في ملاطفتهم وموعظتهم فلم يسمعوا قوله فصادف مرور الأستاذ الشيخ أحمد شنون الحجار فأخذ في وعظهم وإرشادهم ، ولما له من الحرمة في قلوبهم أصغوا إليه وتركوا تقي الدين أفندي ، وهكذا خلصه الله من أيدي هؤلاء. ولم يقتل في هذه الفتنة من النصارى سوى رجلين عن غير قصد أحدهما بطرس حمص من كبار تجار المسيحيين.
ولما تفاقم الأمر واتسع الخرق اتخذت الحكومة التدابير اللازمة لإخماد نار هذه الفتنة ، ووجهت المدافع على محلة باب النيرب وقارلق وبيوت الأغوات الأنجكارية فخربت قسما من هاتين المحلتين فسكنت عند ذلك الفتنة.
وعلى إثر ذلك أرسلت الحكومة محمد باشا القبرصلي الذي تولى الصدارة بعد ذلك ، فأول عمل قام به أن نفى عبد الله بك البابنسي وابن أخيه محمد آغا والحاج عمر الجاهل ومحمد آغا بازو ورمضان آغا وإبراهيم الطبّال وعيسى آغا وابنه عمر آغا إلى الآستانة ، ففي الطريق توفي عبد الله بك في جناق قلعة ودفن فيها والآن له هناك قبر وأهل البلد يزورونه تبركا ، ويقال ابن أخيه محمد آغا سمه أملا بأخذ منصبه. ثم عيّن محمد باشا لمحمد آغا المكانسي لجمع المنهوبات واستعمل الحكمة في استخراجها وجمعها ثم أعادها إلى