ومن جملة مزاياه أنه واضع الحجر الأول في أساس المعارف في هذه الديار ولم يكن لها قبله أثر في هذه البلاد إلا ما كان في المدارس العلمية كالعثمانية والشعبانية. وقد بذل المرحوم جميل باشا قصارى جهده في تأسيس المكاتب الابتدائية والرشدية ، وسنذكر في حوادث سنة ١٣٠٢ مجموع ما أسسه في الشهباء وحدها من المكاتب من حين ولايته إلى هذه السنة.
وقبل تأسيس هذه المكاتب كان العارفون بالقراءة والكتابة قليلين جدا إذ لم يكن في حلب سوى كتاتيب قليلة في الزوايا والمساجد المهجورة ، وكان أحسنها الكتّاب الذي كان فيه الخطاط المشهور الشيخ محمد العريف المعروف بالأشرفية نسبة إلى المدرسة الشرفية الكائنة وراء الجامع الكبير لأن سكناه كانت فيها ، وقد أدركته وهو قاطن بها ، ثم انتقل منها إلى مدرسة القرموطية في محلة بحسيتا بالقرب من الجامع العمري وبقي فيه يعلم الأطفال الكتابة والقراءة والخط وشيئا من مبادي الحساب والفقه إلى أن توفي إلى رحمة الله تعالى ، واستلمه من بعده الشيخ أحمد المصري وهو لا زال فيه إلى يومنا هذا ، وقد أدخل إليه الشيخ أحمد شيئا من الانتظام وهو يجتهد في ترقيته وفقه الله تعالى.
ومن جملة الأعمال الجليلة التي قام بها جميل باشا ترميمه لكثير من المساجد والجوامع بعد أن كادت تشرف على الخراب وصارت تقام فيها الصلوات بعد أن كانت مهملة منها.
واهتم أيضا بتوسيع الجادات وافتتاح الشوارع وأهمها الشارع الذي يبتدىء من باب الفرج ويمر بالتكية المولوية إلى الميدان أمام نهر قويق إلى أن يصل إلى جامع المرحوم ذكي باشا المدرس.
ومن جملة مزاياه أنه كان كثير العطف على الأوساط والضعفاء يعاملهم بالشفقة والحنان والرأفة فتراهم راضين عنه وهو راض عنهم ، ويعامل الأغنياء والوجهاء بالشدة ويضايقهم كثيرا في دفع ما عليهم من المرتبات الأميرية بخلاف الولاة الذين كانوا قبله ، ومع هذا فإنه لم يخل من الطمع النفسي والنفع الذاتي. وبالجملة فقد كانت مدة ولايته أعيادا ومواسم وحمدت سيرته وآثاره وخلدت له في الشهباء ذكرا جميلا.
سنة ١٢٩٩
في شعبان من هذه السنة فصل لواء دير الزور عن ولاية حلب وجعل متصرفية على حدة ، ذكرت ذلك الفرات في عدد ٦٩٥ ، وذكرت في عدد ٦٩٧ أن جميل باشا سعى بترميم المدرسة العصرونية لتتخذ مكتبا ابتدائيا.