يخبرهما أن الوالي جميل باشا استلم زمام الأمور العسكرية وأنه لم يبق بيده شيء من الأمر وأنه لا يتحمل تبعة ذلك إذا حصل ما ليس بالحسبان.
وكان الصدر الأعظم سعيد باشا والسر عسكر علي رضا باشا من الناقمين على جميل باشا فاستحصلا على إدارة سنية من السلطان عبد الحميد بتحويله بالرغم عن معارضة نامق باشا والد جميل باشا وغيره ممن كانوا مظاهرين لجميل باشا ، فحول إلى الحجاز ، وصدرت الإدارة السنية إلى المشير عثمان باشا بتعيينه واليا على حلب ، وقد كان عثمان باشا واليا في الحجاز وكان هذا أيضا قد اتسعت دائرة الخلف بينه وبين شريف مكة عون الرفيق باشا.
وخشي الباب العالي وقتئذ أن يبلغ جميل باشا نبأ تحويله إلى الحجاز وبيده زمام السلطة العسكرية فأصدر أمره إلى الفريق شاكر باشا الذي كان مقيما في الشام وكان هذا من الناقمين على جميل باشا أيضا أن يسافر حالا إلى حلب وبوصوله ينزل القشلاق ويستلم القيادة العسكرية. وهكذا فعل ، ولما تم له ذلك أعلم الباب العالي على لسان البرق ، فعندئذ وردت برقية من الصدارة تفيد تحويله إلى الحجاز وتسليم الولاية إلى شاكر باشا المذكور ريثما يحضر الوالي الجديد.
وأحضر في ذلك اليوم طابور من الجند إلى دائرة الحكومة بحجة حضور سحب القرعة العسكرية. وعقب ذلك حضر شاكر باشا إلى دائرة الحكومة واستلم زمام الولاية وذهب جميل باشا إلى بيته.
وبعد ذلك حضر صاحب بك إلى دار الحكومة وأحضر المحبوسين من الوجهاء إلى حضرته ولاطفهم وأطلق سراحهم.
وبعد أسبوع سافر جميل باشا إلى الحجاز ، وكان سفره يوم الخميس لستة وعشرين يوما مضت من ربيع الأول من هذه السنة.
وقبل مجيء جميل باشا كانت الحكومة بحلب ضعيفة جدا وكان البعض من الوجهاء يسرحون ويمرحون ويفعلون ما يشاؤون ويعاملون الناس بأسوأ المعاملة خصوصا الفلاحين ، فلم يرق ذلك في عين جميل باشا وأخذ في معاكستهم وصار يحول بينهم وبين رغائبهم ، فعظم ذلك عليهم وبدأ الخلاف بينه وبينهم ، وكان في ذلك الحين قد بدأ يميل إلى منافعه الشخصية وصار ذا ثروة طائلة واشترى أراضي وعدة قرى واستحكر أراضي في محلة الجميلية