الروايات تفيد أنه لم يطلق عليه شيئا لكنه هدده بالضرب ، فتراكض الجنود الذين كانوا بمعيته وكان وقتئذ راكبا بغلة سوداء (يخالف ما تقدم من أنه كان ماشيا وما هنا أصح) وقبضوا على الضارب وأوجعوه ضربا وسيق إلى السجن ، وظن جميل باشا أن زيرون لم يفعل فعلته من عند نفسه بل بإيعاز بعض وجوه الشهباء الذين كانوا ناقمين عليه ، فاتخذ ذلك وسيلة للقبض عليهم فأرسل الجنود ليلا وقبض على حسام الدين أفندي القدسي ونافع باشا الجابري وعبد الرحمن أفندي الكواكبي وعبد الرحمن آغا كتخدا ومصطفى آغا يازجي ومحمود آغا الشربجي وعابدين بك الدري ، وكان هذا قبل مدة عيّن في وظيفة [مدعي عمومي] ثم عزل ، وأحمد بك الداغستاني ، وكان هذا قائدا للمفرزة البغالة بحلب سابقا وعزله جميل باشا ، وأودع الجميع السجن كل واحد في غرفة على حدة ومنع الناس من مقابلتهم. وقبل وقوع هذه الحادثة كانت حكومة الآستانة أرسلت صاحب بك رئيس دائرة المحاكمات بشورى الدولة في الآستانة [قدمنا تاريخ مجيئه وهذا الرجل استلم منصب المشيخة الإسلامية بعد إعلان الدستور وتوفي وهو شيخ الإسلام سنة ١٣٢٧] إلى حلب للتحقيق عن الشكايات التي توالت من أهالي حلب على جميل باشا ، وحصلت هذه الحادثة وهو هنا وكان ثبت عنده أن جميل باشا عدل في معاملاته عن مهيع العدل والإنصاف وسلك طريق الجور والاعتساف وأنه يلزم تحويله من حلب ، وهذه الحادثة أثرت عليه كثيرا وأكدت ذلك اللزوم ، إلا أنه خاف على نفسه من جميل باشا فترك الدار التي كان يقطنها في محلة مستدام بك وانتقل إلى التكية المولوية بظاهر باب الفرج وأخذ يقدم اللوائح ويبسط لحكومة الآستانة أعمال جميل باشا.
وعلى أثر هذه الحادثة استلم جميل باشا زمام قيادة العسكرية النظامية بحلب من يد وكيله أمير اللواء محمد علي باشا وصار يدير شؤون الأمور العسكرية أيضا لأنه كان حائزا رتبة مشير وله السلطة العليا على العسكرية أيضا. وكان كل يوم يرسل مقدار مائة جندي من الجنود النظامية فيحيطون بدائرة السجن زاعما أنه بذلك يحفظ المحبوسين من الهرب ، وفي باطن الأمر كان يفعل ذلك خشية من تجمهر الأهالي وتخليص المسجونين.
فعند ذلك اتحد أمير اللواء محمد علي باشا مع صاحب بك وصارا يرسلان اللوائح إلى حكومة الآستانة ، وكان محمد علي بك مسموع الكلمة هناك ولدوائر الآستانة فيه ظن حسن ، وأرسل برقية إلى السر عسكرية بالآستانة وإلى مشير الجيش الخامس في الشام