بالثكنة المذكورة ، وطلب نجدة من مرعش ، فطمع الأرمن لذلك واندلع لهيب الثورة وطار شررها ، وتسلط الأرمن على بعض عائلات المأمورين والضباط الذين لم يتمكنوا من الالتجاء إلى الثكنة ومثلوا بهم تمثيلا فظيعا يحمر له وجه الإنسانية خجلا. ولما اتسع نطاق هذه الثورة هاج المسلمون القاطنون في القرى المجاورة وابتدؤوا يجتمعون في مرعش وابتدأ الأرمن يحتشدون في زيتون وقدر عددهم بما يزيد على عشرين ألفا. وفي هذا الأثناء حضر من أمريكا تسعة من الأرمن خرجوا من السويدية ومنها ذهبوا إلى الزيتون من طريق جبال بيلان وكاوورطاغ ، ولما وصلوها استلموا رئاسة هذه العصابات ، ولما وصلت أخبار تلك الفظائع التي حصلت في زيتون ومرعش هاج لها مسلمو مرعش وثاروا على الأرمن فحصلت مذبحة قتل فيها من الطرفين كثير ، وبعد أيام قلائل حدثت مذبحة في عينتاب قدرت القتلى فيها من الأرمن بنحو سبعمائة ، ثم حصلت مذبحة في بيره جك ثم في أورفة وهي أعظم مذبحة وقعت ويقدر القتلى فيها من الأرمن بألفين ، وسرت تلك الحوادث إلى ولاية آدنة. ولما تفاقم الأمر جمع رديف ولاية حلب وولاية آدنة وولاية أزمير واستلم زمام القيادة مصطفى رمزي باشا ، وكان قائد الجيوش التي أتت من أزمير وآدنة علي محسن باشا ، وأما القيادة العامة فأنيطت بأدهم باشا قائد فرقة حلب. ولما وصلت تلك الجيوش إلى زيتون أحاطت بالثائرين إحاطة السوار بالمعصم وأرسل القائد أدهم باشا الرسل لرؤساء هذه العصابات بقصد نصحهم والإقلاع عما هم فيه فلم تزدهم النصيحة إلا عتوا ونفورا ، وذلك لما قام في مخيلتهم من إقامة مملكة أرمنية ولم يلاحظوا قلة عددهم وعددهم وأنهم في وسط البلاد العثمانية التي معظم سكانها من المسلمين.
ولما لم تجد هذه النصائح شيئا أخذت تلك الجيوش تناوشهم القتال وحاصروهم مقدار شهر ، فعند ذلك تداخلت السفراء بالآستانة وتم الاتفاق بينهم وبين الباب العالي أن يسافر من حلب الموسيو بارنهام معتمد إنكلترا في حلب ومعتمد فرنسا وإيطاليا أيضا إلى الزيتون ويتوسطوا في أمر الصلح ، فتوجه هؤلاء وألزموا رؤساء العصابات بتقديم الطاعة وتسليم ما لديهم من السلاح إلى الحكومة العثمانية ، وأصدرت الحكومة عفوا عن الأرمن والأشخاص الذين كانوا أتوا من أميركا وترأسوا العصابات وأبعدت هؤلاء عن بلادها ، كما حصل الاتفاق مع معتمدي الدول المذكورة ، وجيء بالجاويش نظارت بطل هذه الثورة وغيره
من وجهاء الأرمن إلى حلب وتركوا فيها تحت نظر الحكومة وبقوا هنا عدة أشهر ثم أعيدوا إلى بلادهم بعد أن سكنت الأحوال.