التتار بنى ابن صقر القبو فغوش عليه كافل حلب وقال له : إنما بنيت إصطبلا. فلما كانت دولة الظاهر جقمق وكافل حلب إذ ذاك قاني بك الحمزاوي وملاك أمر حلب بيد زين الدين عمر سبط ابن السفاح اختلفت أقاويل المهندسين ورأسهم علي ابن الرحال وكان ماهرا في صنعته حينئذ وآراؤهم في أمر الحائط الذي فيه أبواب القبلية وهو نهاية في الجودة والترصيف وجودة النحت وثقل الآلة وحسن التركيب والترتيب وكثرة ما فيه من الكوى طلبا للمكنة والخفة ، وليس بحلب حائط مثله إذ مال أوسطه وخرج عن الميزان ميلا فاحشا ، وكانوا قد زانوه وظهر لهم ذلك ، وعلى رأس الباب المذكور نسر مبني بالحجارة الهرقلية وعليه رفرف جدده قصروه كافل حلب وأعانه عليه شيخنا المؤرخ (ابن الخطيب). وظهر تشقق وانفساخ في القبو الملاصق للحائط ، وكان الناس في صلاة الجمعة والخطيب على المنبر انهار تراب من الشقوق ففزع الناس وخرجوا من القبلية ، حتى إني كنت أصلي فيها فخيل لي أن الحائط قد سقط على الناس من شدة الفزع ، فحضر كافل حلب قانيباي الحمزاوي ومعه ابن السفاح ورؤساء البلد والمهندسون والبناؤون ومنهم الحاج محمد شقير وكان عالما بصنعته وفيه ديانة ، فاضطربوا أيضا واختلفت أقوالهم ، فبعضهم أشار بنقض الحائط وقال : أخاف إن وقع وقوع المنارة (١) وبعضهم أشار بحفر حفر في صحن الجامع ليكشف عن أساس الجامع وينظر في حاله وقال : إنما أتي ٢ من قبل الماء المجتمع في المصنع الذي بصحن الجامع ، فحفروا الحفاير فوجدوا الحائط مبنيا على قناطر فقال بعضهم : إن الذي بناه على أساسه القديم ولم يصل به إلى الجبل ، وقال بعضهم : بل هذا طلب للمكنة. وأخذوا في نزح الماء من المصنع وتفرق النايب والناس عن غير طائل. قال لي ابن الرحال : بينا أنا في صحن الجامع إذ أنا بشخص يتكلم بين الناس ويقول : الرأي أن ينقض النسر الذي على الباب وأن ينقض القبو المتقطع ويترك الحائط على حاله ، ولم أعرف الرجل فتدبرت كلامه فوقع في قلبي أنه الصواب فأشرت بذلك فأخذوا في نقض القبو الملاصق للحائط ، وكان الرأي أن ينقض قليلا قليلا فزادوا في النقض فتقطع بقية القبو ، ولو علم الكافل بذلك لقتل ابن
__________________
(١) في هامش الكرّاسة المنقولة من كنوز الذهب بخط بعض الفضلاء ما نصه أقول وقد كانت المنارة الأصلية في الحائط الغربي ملاصقة لحائط القبلية الشمالي الملاصق للصحن وحين رم الجامع سنة ١١٧٠ شوهد بابها ورسمها من أعلى السطح اه.
٢ ـ نص العبارة في مخطوطة ««كنوز الذهب» ـ كما رأيتها عند الأستاذ محمد كامل فارس ـ : إنما أتي الحائط من قبل أساسه ، وبعضهم قال : إنما أتي من قبل الماء ...