القاهرة أشيع بين الناس عودهم إلى حلب عن قريب لأن عسكر ابن عثمان قد استولى على سيس وعلى طرسوس وغير ذلك من البلاد الحلبية ، وحضر مع الأمير أزبك جماعة كثيرة من عسكر ابن عثمان أتوا طائعين باختيارهم فأنزلهم السلطان في ديوانه وقرر لهم الجوامك وهم إلى الآن باقون في الديوان يسمون العثمانية.
وفي ربيع الآخر جاءت الأخبار بأن شاه بضاع بن دلغادر حضر إلى الأبلستين ومعه طائفة من عسكر ابن عثمان وكبس على أخيه علي دولات وقبض على اثنين من أولاده.
وفيه قرر السلطان مملوكه قانصوه الغوري في حجوبية حلب عوضا عن باكير ابن صالح الكردي الذي نقل إلى نيابة قلعة الروم ، وقانصوه هذا هو الذي تولى السلطنة فيما بعد.
وفيه جاءت الأخبار من عند نائب حلب بأن عسكر ابن عثمان لما بلغهم رجوع العسكر المصري طمعوا في أخذ البلاد الحلبية وأرسل يستحث السلطان في خروج تجريدة بسرعة لحفظ مدينة حلب ، فلما بلغ السلطان ذلك عرض العسكر وعين تجريدة وكتب عدة وافرة من الجند الذين كانوا مقيمين في القاهرة ، وجعل الباش على هذه التجريدة قانصوه الشامي أحد مقدمي الألوف ومن الأمراء الطبلخانات يشبك رأس نوبة ثاني وغيرهم ، ثم أنفق على الأمراء وأمرهم بسرعة الخروج إلى التجريدة من غير إهمال.
وفي جمادى الآخرة رسم السلطان بسلخ شخص يسمى أحمد بن الديوان من أهل حلب فسلخه في المقشرة وسلخ معه والده محمد وأشهروهما في القاهرة على جمال ، وكان أحمد بن الديوان من أعيان الناس الرؤساء بحلب وكان من أخصاء السلطان فنقل أنه كاتب ابن عثمان في شيء من أخبار المملكة ، فلما بلغ السلطان ذلك تغير خاطره عليه وجرى عليه أمور يطول شرحها وكانت من الوقائع المهولة.
وفيه خرجت التجريدة ومن عين بها من الأمراء والعسكر وكان يوما مشهودا. قيل قد بلغت النفقة على الأمراء والجند في هذه التجريدة نحوا من مائة وخمسين ألف دينار غير جامكية أربعة أشهر وثمن الجمال وكان السلطان دريا في خروج هذه التجريدة لصون مدينة حلب.