وفيه عرض السلطان أولاد الناس أصحاب الجوامك من ألف درهم فما دونه ، وكان أمرهم أن يتعلموا رمي البندق الرصاص قبل ذلك ، فلما عرضهم ورموا قدامه كتبهم في التجريدة وأنفق عليهم كل واحد ثلاثين دينارا وكل اثنين أشركهم في جمل أعطاه لهما وخرجوا صحبة التجريدة. وفيه نادى السلطان للعسكر بالعرض وأشيع أمر التجريدة إلى ابن عثمان ، فلما عرضهم السلطان بادر إليهم بتفرقة النفقة ، ثم وقع في ذلك اليوم بعض اضطراب من المماليك الجلبان وقام السلطان من الدكة ونزل وقال : أنا أنزل لكم عن السلطنة وأمضي إلى مكة ، فتلطف به الأمراء ثم آل الأمر بعد ذلك إلى أن أنفق عليهم لكل مملوك مائة دينار على العادة وجامكية أربعة أشهر وثمن جمل سبعة أشرفية ، فأنفق في ذلك على عدة طباق واستمر على ذلك حتى أكمل النفقة ، ثم حملت نفقة الأمراء المقدمين والطبلخانات والعشراوات وقد تعينوا للسفر أجمعين ولم يبق بمصر سوى أقبر دي الدوادار وأزدمر تمساح فكانوا على الحكم الأول كما تقدم ، فبلغت النفقة على الأمراء والجند نحوا من خمسمائة ألف دينار. وكانت هذه التجريدة آخر تجاريد الأشرف قايتباي إلى ابن عثمان وغيره ولم يجرد بعدها أبدا ، ثم نادى للعسكر بأن لا يخرج منهم أحد قبل الباش فما سمعوا له شيئا.
وفي خامس عشر ربيع الآخر خرج أمير كبير أزبك من القاهرة قاصدا البلاد الحلبية وصحبته الأمراء والعسكر وكانت عدتهم عشرة وهم على ما ذكرناه في التجريدة الماضية ، وأما الأمراء العشراوات والطبلخانات فكانوا زيادة على الخمسين أميرا ، وأما المماليك السلطانية فكانوا زيادة عن أربعة آلاف مملوك فكان لهم يوم مشهود حتى رجت لهم القاهرة ، واستمرت الأطلاب تنسحب من أطراف الشمس إلى قريب الظهر وخرج مماليك الأمراء وهم باللبس الكامل من آلة السلاح فعدت هذه التجريدة من نوادر التجاريد ، وقد طال أمر الفتن بين السلطان وبين ابن عثمان والأمر لله.
وفي رجب وصل هجان من عند العسكر وأخبر بأن العسكر قصد التوجه إلى بلاد ابن عثمان وقد أرسلوا ماماي الخاصكي رسولا إلى ابن عثمان ، فلما أبطأ عليهم خبره زحف العسكر المصري على أطراف بلاد ابن عثمان ووصلوا إلى قيسارية وفتكوا بها ونهبوا عدة من ضياعها وأحرقوها ، ثم فعلوا مثل ذلك بعدة أماكن من بلاد ابن عثمان وانقسموا فرقتين فرقة إلى (ماوندة) وفرقة مقيمة بكولك ينتظرون ما يكون من هذا الأمر.