قبل البلوغ إليها ، كما لا يخفى ، فاستحالة اجتماع الأمر والنهي في واحد لا تكون من باب التكليف بالمحال ، بل من جهة انه بنفسه محال. فلا يجوز عند من يجوز التكليف بغير المقدور أيضا».
ملخص هذه المقدمة هو ان المضادة والمعاندة بين الأحكام الخمسة انما هي في مرتبة فعليتها وبلوغ تلك الأحكام حد البعث والزجر الحقيقيّين ، فلا مضادة بينها في مرتبة الإنشاء فضلا عن مرتبة الاقتضاء ، واستحالة الجمع بين اثنين منها في هذه المرتبة في شيء واحد في زمان من باب استحالة اجتماع الضدين ، فلذا لا تختص بمذهب دون آخر ، بل هو محال مطلقاً حتى على مذهب الأشعري المجوز للتكليف بالمحال ، فان هذا في نفسه محال.
الثانية ـ ما نصه : «انه لا شبهة في ان متعلق الأحكام هو فعل المكلف وما هو في الخارج يصدر عنه وهو فاعله وجاعله ، ولا ما هو اسمه ، وهو واضح ، ولا ما هو عنوانه مما قد انتزع عنه بحيث لو لا انتزاعه تصوراً واختراعه ذهناً لما كان بحذائه شيء خارجا ، ويكون خارج المحمول كالملكية والزوجية والرقية والحرية والمغصوبية إلى غير ذلك من الاعتبارات والإضافات ، ضرورة ان البعث ليس نحوه والزجر لا يكون عنه ، وانما يؤخذ في متعلق الأحكام آلة للحاظ متعلقاتها ، والإشارة إليها بمقدار الغرض منها والحاجة إليها ، لا بما هو هو وبنفسه وعلى استقلاله وحياله».
مرد هذه المقدمة إلى ان الأحكام الشرعية لم تتعلق بالأسماء والألفاظ ، ولا بالعناوين الانتزاعية التي لا مطابق لها في الخارج أصلا ، وانما تتعلق تلك الأحكام بافعال المكلفين الصادرة عنهم خارجا ، ضرورة ان الغرض سواء أكان مصلحة أو مفسدة أم كان غيرهما لا يترتب على الأسماء والألفاظ المجردة ، ولا على العناوين الانتزاعية التي لا واقع موضوعي لها وانما يترتب على تلك الأفعال فحسب ، وهذا ظاهر.