نأخذ مثالا وهو ما إذا أوجب المولى إطعام ستين مسكيناً أو صوم شهرين متتابعين أو عتق رقبة مؤمنة ، كما في كفارة صوم شهر رمضان ، فلا محالة يكون مرد هذا إلى عدم دخل شيء من خصوصياتها في غرض المولى الداعي إلى الأمر بأحدها لفرض انه يحصل بإتيان كل منها في الخارج. هذا من جانب. ومن جانب آخر المفروض ان الغرض لم يقم بكل واحد منها وإلا لكان كل منها واجباً تعيينياً ومن جانب ثالث ان وجوب أحدها المعين في الواقع لا يمكن بعد ما كان الجميع في الوفاء بغرض المولى على نسبة واحدة.
ونتيجة ذلك لا محالة هي وجوب الجامع بين هذه الأمور ، وان الغرض الداعي له يحصل بإتيانه في ضمن إيجاد أي فرد منها شاء المكلف إيجاده ، لوضوح ان مرد وجوب الجامع بالتحليل إلى عدم دخل شيء من خصوصيات هذه الأمور ، وان الغرض المزبور يترتب على فعل كل منها في الخارج من دون خصوصية لهذا وذاك أصلا ، وهذا امر معقول في نفسه ، بل واقع في العرف والشرع ، فان غرض المولى إذا تعلق بأحد الفعلين أو الأفعال فلا محالة يأمر بالجامع بينهما وهو أحدهما لا بعينه ، مع عدم ملاحظة خصوصية شيء منها.
ومن هنا يظهر ان مرادنا من تعلق الأمر بالجامع الانتزاعي ليس تعلقه به بما هو موجود في النّفس ولا يتعدى عن أفقها إلى أفق الخارج ضرورة انه غير قابل لأن يتعلق به الأمر أصلا وان يقوم به الغرض ، بل مرادنا من تعلق الأمر به بما هو منطبق على كل واحد من الفعلين أو الأفعال في الخارج ، ويكون تطبيقه على ما في الخارج بيد المكلف ، فله ان يطبق على هذا ، وله ان يطبق على ذاك. ولعل منشأ تخيل انه لا يمكن تعلق الأمر بالجامع الانتزاعي هو تعلقه به على النحو الأول دون الثاني. وقد تحصل من ذلك انه لا مانع من ان يكون المأمور به هو العنوان الانتزاعي على النحو المزبور ، لا من ناحية الأمر