أحوال مصر مثل يوم القيامة كل واحد يقول يا رب روحي ، وقد عاب العسكر على السلطان هذا الرهج الذي وقع منه ولم يمش على طريقة الملوك السالفة عند خروجهم للسفر مع أنه لم يكن أمر يستحق هذا الرهج العظيم ولا جاءت أخبار بأن ابن عثمان قد وصل إلى حلب ولا جاليشه ولا تحرك على بلاده ، وعابوا على السلطان عرضه عسكر مصر قاطبة في أربعة أيام وأنفق عليهم مع العرض فخشوا أن يشاع في بلاد ابن عثمان وبلاد الصوفي [الشاه إسماعيل صاحب بلاد العجم] أن السلطان الغوري قد عرض عساكره جميعا في أربعة أيام فينسبوهم إلى قلة وأنه ما بقي عسكر بمصر وربما يطمع العدو إذا سمع بذلك وما كان هذا الرأي من الصواب وهذه الأحوال كلها غير صالحة.
وفي هذا اليوم أرسل السلطان نفقة الأمراء المقدمين فأرسل للأتابكي سودون الدواداري رأس نوبة النوب والأمير أنسباي حاجب الحجاب لكل واحد أربعة آلاف دينار وبقية الأمراء المقدمين الذين هم بغير وظائف لكل واحد منهم ثلاثة آلاف دينار ، وأين هذه النفقة من النفقة التي كان يرسلها الأشرف قايتباي للأمراء المقدمين عند خروجهم إلى تجاريد ابن عثمان ، فكان يرسل للأتابكي وحده ثلاثين ألف دينار والأمير تمراز أمير سلاح عشرين ألف دينار وأمير مجلس مثل ذلك وبقية الأمراء المقدمين لكل واحد منهم عشرة آلاف دينار حتى عد ذلك من النوادر الغربية ، ولم يفعل الأشرف قايتباي ذلك إلا في آخر تجاريده لابن عثمان سنة خمس وتسعين وثمانمائة فبلغت نفقة الأمراء قاطبة دون الجند مائة ألف دينار.
وفي الخامس والعشرين منه أنفق السلطان على الأمراء الطبلخانات والأمراء العشراوات وصار يستدعيهم واحدا بعد واحد مثل تفرقة الجامكية فأعطى لكل أمير طبلخانات خمسمائة دينار وأعطى لكل أمير عشرة مائتي دينار ولم يرسل للخليفة نفقة فحصل له غاية المشقة ، وترامى على جماعة من الأمراء في أن يقرضوه مبلغا بربح ودخل في جهته ديون كثيرة ولم يتفق قط أن السلطان إذا سافر إلى البلاد الشامية وصحبته الخليفة أن يخرج بلا نفقة ، وكانت عادة السلاطين أن برك الخليفة إذا سافر يكون على السلطان وكان يرسل إليه خمسمائة دينار لأجل جوامك أتباعه ، فلم يلتفت السلطان لشيء من ذلك وشح معه في أمر النفقة ، وكان الخليفة مظلوما مع السلطان في هذه الواقعة.