السلطاني خلف ظهر السلطان بنحو عشرين ذراعا وتحته مقدم المماليك سنبل العثماني والسادة القضاة الأربعة والأمير تمر الزردكاش أحد المقدمين ، وكان على ميمنة العسكر الأمير سيباي نائب الشام وعلى الميسرة خاير بك نائب حلب ، فقيل أول من برز إلى القتال في الميدان الأتابكي سودون العجمي وملك الأمراء سيباي نائب الشام والمماليك القرانصة دون المماليك الجلبان فقاتلوا قتالا شديدا هم وجماعة من النواب فهزموا عساكر ابن عثمان وكسروهم كسرة مهولة منكرة وأخذوا منهم سبع صناجق وأخذوا المكاحل التي على العجل ورماة البندق ، فهم ابن عثمان بالهرب أو بطلب الأمان وقد قتل من عسكره فوق العشرة آلاف إنسان وكانت النصرة لعسكر مصر أولا ، لكنه قد بلغ المماليك القرانصة أن السلطان قال للمماليك الجلبان : لا تقاتلوا لا تقاتلوا أبدا وخلوا المماليك القرانصة يقاتلون وحدهم. فلما بلغهم ذلك ثنوا عزمهم عن القتال ، فبينما هم على ذلك وإذا بالأتابكي سودون العجمي قتل في المعركة وقتل ملك الأمراء سيباي نائب الشام فانهزم في الميمنة من العسكر جانب كبير. ثم إن خاير بك نائب حلب انهزم وهرب فكسر الميسرة وأسر الأمير قانصوه بن سلطان جركس وقيل قتل ، وقيل إن خاير بك كان موالسا على السلطان الغوري في الباطن وهو مع ابن عثمان على السلطان وقد ظهر مصداق ذلك فيما بعد فكان أول من هرب قبل العسكر قاطبة وأظهر الهزيمة ، وكان ذلك من الله تعالى خذلانا لعسكر مصر حتى نفذ القضاء والقدر وصار السلطان واقفا تحت الصنجق في نفر قليل من المماليك فشرع ينادي : يا أغوات هذا وقت المروءة هذا وقت النجدة ، فلم يسمع له أحد قولا وصاروا يتسحبون من حوله وهو يقول للفقراء : ادعوا الله تبارك وتعالى بالنصر فهذا وقت دعائكم ، وصار لا يجد له معينا ولا ناصرا فانطلقت في قلبه جمرة نار لا تطفأ ، وكان ذلك اليوم شديد الحر وانعقد بين العسكرين غبار حتى صاروا لا يرى بعضهم بعضا وكان نهار غضب من الله تعالى قد انصب على عسكر مصر وغلت أيديهم عن القتال وشخصت منهم الأبصار.
ولما اضطربت الأحوال وتزايدت الأهوال خاف الأمير تمر الزردكاش على الصنجق السلطاني فأنزله وطواه وأخفاه ، ثم تقدم إلى السلطان وقال : يا مولانا السلطان إن عسكر ابن عثمان قد أدركنا فانج بنفسك إلى حلب ، فلما تحقق السلطان ذلك غلبه في الحال خلط فالج أبطل شقه وأرخى حنكه ، فطلب ماء فأتوه بماء في طاسة من ذهب فشرب منه