إلا من التجأ لإمامة أو خطابة في بعض الجوامع أو المساجد فكان ذلك الضربة القاضية على البقية الباقية.
هذه الأسباب وغيرها كانت عوامل مؤثرة تنذرنا بسوء المصير ووخامة العاقبة وأنها إذا دامت سنين قلائل وذهب ما بين ظهرانينا من بقية العلماء الذين أصبحوا في الشهباء الآن لا يبلغون عد الأصابع تصبح هذه البلدة العظيمة وما حولها مقفرة من العلم خاوية من أهل الفضل يتسكع أهلها في ظلمات الجهالة ويتيهون في وادي الضلالة ويستلم زمام الأمور قوم لا يكونون على شيء من العلم فيضلون ويضلون.
كنت ممن أهمه هذا الأمر وأغمه وشغل فكره ولبه فجعلته حديثي في كل مجتمع وسمري في كل ناد ، وكنت أنتهز الفرص في مذاكرة من بيدهم زمام الأمور مبينا لهم ما سيؤول الحال إليه بعد أن كانت الشهباء مشحونة بالعلماء والفضلاء مقصودة من الآفاق للتحصيل والاستفادة ، بها كانوا يلقون عصا تسيارهم ، ومنها يقتطفون أزهار العلوم والفنون ثم يعودون إلى بلادهم وقد حملوا منها أوقارا وامتلأت بها أوطابهم فينثرون درر علمهم وينشرون ألوية فضلهم.
وكنت أعرب عن رغبتي في أن تكون المدارس الدينية على نسق المدارس الأميرية ذات صنوف مرتبة وكتب وعلوم معينة ونظام يرجعون إليه لتكون مسافة التحصيل على الطلاب قريبة ويتمكنوا من الاستفادة التامة.
وكنت لا أجد من هؤلاء سوى التسليم واستحسان المقال والمشاركة في الشكوى والاكتفاء بإظهار التأسف والتحسر مما وصلت إليه حالة العلم في هذه البلاد إلى أن قيض الله لدائرة الأوقاف الرجل الهمام السيد يحيى الكيالي فإنه وفقه الله لما ألقيت إليه مقاليدها واستلم زمامها بادرت إلى مذاكرته في هذا الشأن فألقى سمعه إليه وأقبل بكليته عليه ، بل وجدته أشد مني شوقا وأكثر تعشقا لتحقيق تلك الأماني فكان فيه الضالة المنشودة والبغية المقصودة.
ولم يمض بضعة أسابيع وإذا به قد أبرز هذا المشروع الجليل لحيز الفعل وأعلن افتتاح المدرسة الخسروية وعين لها أساتذة وصار الطلاب يهرعون إليها من الشهباء وما حولها ، وكان افتتاحها في أوائل سنة ١٣٤٠ ، ووضع لها نظاما خاصا وعين لجنة دعيت لجنة المجمع العلمي برئاسة مفتي حلب الشيخ عبد الحميد الكيالي بحثت في هذا النظام ثم صادقت عليه.