ثم إن ابن جانبولاط توجه إلى قسطنطينية والتجأ إلى داود باشا أحد كبار الوزراء فسعى له لدى الحضرة السلطانية بالعفو عن جرائمه فعفا عنه وأنعم عليه برتبة بكلربكي وأرسل إلى الحدود في جهة طمشوار (في بلاد العجم) للمحافظة ، وبعد استقراره هناك سنة عاد بمقتضى رداءة طينته إلى عادته السابقة من الظلم والجور والتعدي ، وهم الأهالي هناك بقتله فانهزم لجهة بلغراد والتجأ إلى علي باشا قاضي زاده وهذا حبسه في القلعة المذكورة حفظا له ممن رام قتله من أهل طمشوار ، ثم لما عاد مراد باشا إلى الآستانة أشار على ابن قاضي زاده بقتل ابن جانبولاط فقتله.
هذا ما ذكره المؤرخ مصطفى نعيما في تاريخه ، وأنت كما ترى قد اختصر حوادثه ووقائعه في الشام والعلامة المحبي قد بسط حوادثه ثمة ، ثم ذكر بعد ذلك وقائعه مع السردار مراد باشا وانكساره أمامه وانهزامه إلى البلاد الرومية إلى أن قتل فقال : هو الأمير علي بن أحمد بن جانبولاذ بن قاسم الكردي القصيري ، قد أكثر أهل التاريخ والمجاميع ممن لحقوا واقعته من ذكره وذكر ما فعله بدمشق وما جرى لحكام الشام وأهلها معه من الوقائع ، وقد اخترت من ذلك ما أودعته في هذه الأوراق من مبدأ أمره إلى منتهاه ، وأما ذكر أصله ومنزعه فجده جانبولاذ هذا كان يعرف بابن عربو وكان أمير لواء الأكراد بحلب ، ولي حكومة المعرة وكلّز وعزاز وكان له صيت شائع وهمة علية. ومبدأ الأمير علي هذا أنه كان في طليعة عمره ولي حكومة العزيزي ، وقد تقدم في ترجمة عمه حسين باشا أنه لما قتله الوزير ابن جغالة لتراخيه في أمر السفر الذي كان عين له خرج الأمير علي عن طاعة السلطنة وجمع جمعا عظيما من السكبانية حتى صار عنده منهم ما يزيد على عشرة آلاف ومنع المال المرتب عليه وقتل ونهب في تلك الأطراف ودبر على قتل نائب حلب حسين باشا وكان ولاه السلطان نيابتها ووصل إلى آذنة وكان بآذنة حاكم يعرف بجمشيد فكتب إليه ابن جانبولاذ أن يصنع له ضيافة ويقتله ففعل ونما خبره إلى الأقطار واستمر في حلب يظهر الشقاق إلى أن أرسل الأمير يوسف بن سيفا صاحب عكار إلى باب السلطنة رسالة يطلب فيها أن يكون أميرا على عساكر الشام والتزم بإزالة الأمير علي من حلب ، فجاءه الأمر على ما التزم وأرسل إلى عسكر دمشق وأمراء ضواحيها يطلبهم إلى مجتمع العساكر وهو مدينة حماة فتجمعوا هناك من كل ناحية وجاء ابن جانبولاذ إلى حماة وتلاقيا وتصادما ، فما هو إلا أن كان اجتماعهم بمقدار نحر جزور فانكسر ابن سيفا وأتباعه ورجع بأربعة أنفار واستولى ابن جانبولاذ على