قلعة الجبل ولم ينزل إلى لقيه ، بل لما شاهد الأشرف قد أشرف نزل عن مكانه وقال : هذا المكان الذي سلمته إليّ ، فزادت محبة الأشرف له وفوض إليه كفالة حلب ليطالعه بأخبار التتر عوضا عن إينال الجكمي ، فدخل تغري برمش حلب وخرج القضاة إلى لقيه على عادتهم. وكان شيخنا المؤرخ (يعني به ابن خطيب الناصرية) يعرفه قديما من مدينة بهسنى لأن شيخنا كان حاكما بها ، وكان والد تغري برمش صديقا لشيخنا وكان يستدعيه إلى بستانه مع ولده تغري برمش المذكور ، فلما التقيا تغافل كل منهما عن معرفة الآخر وقال الكافل للقضاة : إلى هنا تلقوني على طريق العتب ، فقال القاضي الحنفي له : خالكم نور الدين محمود أخبرنا أنكم متأخرون عن هذا الوقت ، فأنف من ذكر خاله وقال : اليوم يوم بارد ، فأحجم الحنفي عن مكالمته. ثم إنه نزل على عين المباركة ودخل حلب بكرة بحشمة زائدة فباشر حلب بعقل وعفة واستكشف أحوالها بالرجال والمكر وجعل له من كل بيت من بيوت الأمراء من يخبره بأخبارهم ، وأرسل إلى بلاد الأعاجم من يستكشف له الأخبار. ثم سافر ومعه الأمراء ، ثم قدمت عليه العساكر ثانيا من مصر وهم قرقماش وجانم أخو الأشرف وغيرهم ومعهم كفال البلاد وتوجهوا من حلب ومعهم القاضي معين الدين بن العجمي كاتب سر حلب إلى عين تاب ثم إلى الأبلستين ثم إلى قرب سيواس ، ودخل يعني العسكر سيواس وشروا حاجاتهم ، وكان قد ساق معه الأعراب والتركمان وابن رمضان والأكراد ببيوتهم ونعمهم ، ثم توجهوا من سيواس إلى أقشار (آق شهر) وأخذ قلعتها فهرب نائبها أينق حسن إلى قلعة بلدرش فتوجه المصريون وكافل طرابلس وحماة خلفه وحاصروا القلعة المذكورة اثنين وعشرين يوما وعملوا مكحلة عظيمة ترمي بقنطار حلبي وأكثر ، ولما أشرفوا على أخذ القلعة المذكورة فر أينق حسن المذكور منها أيضا فأخذوها ، ثم توجه العسكر إلى أرزنكان خلا كافل دمشق وحلب فتحققوا وهم ثمة موت الأشرف ، وكان قصد تغري برمش أن يتوجه بهم إلى قلعة النجا لخلاص إسكندر من أخيه وأن يذهب بالعسكر وبالإسكندر إلى بلاد العجم لأخذ ثار الشام من أولاد تمرلنك ولم يمض في ذلك لوفاة السلطان ، ورجع العسكر من غير ائتلاف بينهم ، فلما قاربوا حلب كتب تغري برمش إلى أهل حلب يأمرهم بمنع العسكر من دخول حلب ، فتوجه العساكر إلى بلادهم فأخذ هو في العصيان والخروج عن الطاعة باطنا ، ولما وردت خلعته باستقراره بكفالة حلب أراد كاتب السر أن يحلفه على قاعدتهم فقال : لا أحلف بحضرتك ، ثم أخذ في