ولما ملك كسرى حلب وبنى سور البلد بنى في القلعة مواضع. ولما جاء أبو عبيدة إلى حلب وأخذها ثم جاء إلى القلعة ، فلما عاينها دامس أبو الهول قال : هي قلعة منيعة شامخة حصينة يعجز عن مثلها الرائد وتمتنع على الطالب والقاصد ، لا ينفع أهلها محاصرة الرجال ولا يضيق صدرهم من قتال. ثم احتال عليها أبو الهول وأخذها من يوقنا ، والقصة مطولة مذكورة في كتاب الواقدي (١). وكان أخذه لها من البرج الكبير المطل على باب الأربعين هذا وصفه لها. وقد وجدها مرممة الأسوار بسبب زلزلة كانت أصابتها قبل الفتوح فأخربت أسوارها وأسوار البلد ولم يكن ترميما محكما فنقض بعض ذلك وبناه ، وكذلك لبني أمية وبني العباس فيها آثار.
ولما استولى نقفور ملك الروم على حلب في سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة وجاس خلال الديار اعتصم بها الهاشميون فحمتهم ، ولم يكن لها حينئذ سور عامر يمنعهم لأنها كانت قد تهدمت وعفت آثار تلك المرابع ، فكانوا يتقون سهام العدو بالأكف والبرادع ، وزحف نقفور عليها فألقي على ابن أخيه حجر فمات ، فلما رأى نقفور ذلك طلب الصلح فصالحه من كان فيها ومن حينئذ اهتم الملوك بعمارتها وتحصينها ، فبنى سيف الدولة فيها مواضع لما بنى سور حلب ، وكانت الملوك لا تسكنها بل كانوا يسكنون قصورهم التي بالبلد.
وفي تاريخ الذهبي : لما قتل ابن أخت الملك كان قد أسر من أعيان حلب ألفا ومائتين فضرب أعناقهم جميعهم. ولما ولي سعد الدولة بنى فيها أماكن وسكنها وذلك لما أتم ما بناه والده سيف الدولة من الأسوار. وكذلك بنى فيها بنو مرداس دورا وجددوا سورها ، وكذلك من بعدهم من الملوك إلى أن وليها عماد الدين أقسنقر وولده عماد الدين زنكي فحصناها ولهم بها آثار حسنة. وبنى فيها طغدكين برجا من قبليها ومخزنا للذخائر عليه اسمه ، وبنى فيها السلطان نور الدين أبنية كثيرة وعمل ميدانا وخضره بالحشيش يسمى الميدان الأخضر ، وكذلك بنى فيها ولده الصالح باشورة كانت قديمة فجددها وكتب عليها اسمه ، وفي وسطها برج كبير فوق طريق الماء الذي يدخل إلى الساتورة ، وعلى البرج اسم الصالح إسماعيل. وكانت هذه الباشورة من موضع الباب الذي يلي البلد وتدور في وسط التل إلى المنشار المتصل بباب الأربعين ، وكان في الباشورة مساكن للأجناد.
__________________
(١) هو الفتوحات الشامية وهو مطبوع كثير التداول ، وقد بسط القول فيه على فتح حلب وقلعتها.