قال ابن أبي طي : ثم في سنة ثمان وثمانين وخمسماية دخلت والظاهر غازي قد شرع في بناء جسر الجبل وهدم الطريق الأول ، وكان أولا يدخل إليه من سرداب عليه باب يقال له باب السر وكان عمره شريف الدين أبو المعالي بن سيف الدولة ، وكان هذا الباب برسم المهمات ، فلما ملك حلب رضوان كره الصعود من باب القلعة وكان يتجرد من الباطنية ففتح هذا السرب وجعله درجة يصعد منها إلى الجوشن وهو فصيل للقلعة ، ولم تزل كذلك إلى زمن الصالح إسماعيل فعمل له في الخندق الذي هو موضع هذا الجسر بستانا كان ينزل إليه ويتفرج فيه.
فلما ملك حلب العادل خرب فصيل القلعة من جنب تلك الدرجة إلى حدود دركاوات القلعة وعمل مكان الفصيل سفحا ، ثم عمل طريقا منكشفا في وجهه سترة شراريف إذا كان راكبا رأى وجه من يكون واقفا تحت القلعة. وكان الصاعد في تلك الدرجة ينزل أولا إليها من شمالي ميدان باب العراق حتى يصير إلى قعر خندق القلعة ثم يصعد من هناك مع سفح التل ، فلما ملك الظاهر حلب فكر في أمر الدرجة وأن الملك يحكم على نفسه ١ من يكون على جانب الخندق فلا يمكنه من حصل في الخندق دفع عادية من يريد أذيته إما اختيارا وإما اضطرارا ، فعمد إلى الدرجة وهدمها وقلع شجره وأذهب أثره ثم هدم باقي الفصيل إلى الأرض. وكان سور حلب الشرقي متصلا بفصيلة القلعة فقطعه وباعده عنها ، ثم جعل سعة الخندق أربعين ذرعا ، ثم بنى جانب الميدان من جهة الشمال بالصخور ، ثم نقي قعر الخندق إلى أن نبع الماء من أصله ، ثم بنى ثمانية عضايد من أسفل الخندق ورفعها إلى أن حاذت أرض الميدان ، ثم مدّ عليها أخشاب التوت وأعواد الدلب والسنديان وجعله سقفا واحدا إلى تل القلعة ، ثم أقام على تل القلعة بابا عاليا وجعل عليه مصراعين من حديد ، ثم بنى على أصله من الشمال برجا عاليا وجعل عليه باب حديد أيضا ، ثم ساق من هذا البرج إلى سور القلعة العالي طريقا مدرجا بحجارة سود طوال وبنى له شراريف من يسار هذا الطريق ، ثم عمد إلى رأس هذا الطريق من جهة الشمال فبنى عليه برجين عظيمين عاليين مسامتين أبراج القلعة ، ثم جعل في إحدهما باب حديد فإذا أفضي إليه خرج إلى داخل القلعة ، وبنى هذا الجسر في مقدار خمس سنين وغرم عليه ما يزيد على خمسين ألف دينار مصرية.
__________________
١ ـ هكذا في الأصل. والكلمة مطموسة في مخطوطة أبي ذر.