ثم قال (أي ابن أبي طي) : في سنة خمس وتسعين تم تسفيح تل القلعة بالحجارة ، وانتهت القطعة التي بين باب الجبل وباب القلعة ، وشرع في هدم باب القلعة والباشورة ، وكان باب القلعة أولا يفتح إلى جهة الشرق والأرض متصلة به. ثم شرع بعد هدمه في سعة الخندق وقطع باب القلعة عن البلد وبنى به الجسر الكبير. وفي سنة ثمان وتسعين شرع الظاهر في حفر خندق القلعة وتوسعته أربعين ذراعا وبنى جانبه بالصخور ولقي أرضه حتى نبع الماء. وفي سنة سبع جد الظاهر في عمارة القلعة وحفر خنادقها.
ولما وسع الظاهر الخندق وعمقه وبنى حائطه من جهة البلد في سنة عشر وستمائة في رابع عشر رمضان وجد فيه تسع عشرة لبنة من ذهب وزنها سبعة وعشرون رطلا بالحلبي (الرطل سبعمائة وعشرون درهما) ورفع بابها إلى مكانه الآن ، وعمل لها هذا الجسر الممتد وحصنها ، وبنى فيها مصنعا كبيرا للماء الحلو ومخازن للغلات وسفح تلها ، وفي تاريخ الصاحب سفح بعضها وعزم على التتميم فاخترمته المنية وبناه بالحجر الهرقلي. وكان الباب أولا قريبا من أرض البلد متصلا بالباشورة فوقع في سنة ستمائة وقتل تحته خلق كثير. وبنى على الباب برجين لم ير مثلهما قط ، وعمل للقلعة خمس دركاوات بآزاج معقودة وجعل لها ثلاثة أبواب حديد زاد واحدا وجعل لكل باب أسفهسلارا ونقيبا ، وبنى فيها أماكن يجلس بها الجند وأركان الدولة وكان معلقا بها آلات الحرب ، وفتح في سور القلعة بابا يسمى باب الجبل شرقي بابها وعمل له دركاه لا يفتح إلا له إذا نزل دار العدل ، وهذا الباب وما قبله انتهت عمارتهما في سنة إحدى عشرة وستمائة ، وقد سد هذا الباب وعمل عليه برجان عظيمان. وأخبرني من أثق به أن الباب الذي أغلق هو الذي عليه البرج المطل على سوق الخيل.
واعلم أن هذه القلعة لم تزل في عمارة وزيادة إلى أن ملكها صلاح الدين يوسف وأعطاها لأخيه العادل فبنى بها برجا ودارا لولده فلك الدين وتعرف الآن به ، وفي وسطها بئر قديمة ينزل إليها بمائة وخمسة وعشرين مرقاة قد هندمت تحت الأرض وخرقت خروقا وصيّرت آزاجا ينفذ بعضها إلى بعض إلى ذلك الماء المالح. (قلت) : وهذه الدار بيد بعض أمراء القلعة الآن ، وهذه البئر موجودة. وذكر لي بعض القدماء أنه كان هذا البئر دولاب حيلة يستعمل عند احتياج أهل القلعة إلى الماء وليس عندهم من الدواب ما يستعملونه في الساتورة المعهودة. وبنى فيها (أي في القلعة) الظاهر ساتورة محكمة بدرج