يعتن بشأن القلعة والأسوار ، ولعل ذلك لأن حلب أصبحت في وسط البلاد العثمانية والوقائع الحربية الهامة صارت بعيدة عنها ومن جهة أخرى لم يبق للقلاع كبير فائدة بالنظر لتقدم الفنون الحربية وظهور هذه المدافع وأصبح مثلها لا يجدي شيئا عند الحصار ، ومن ذلك الحين أخذت في الخراب ، ثم جاءت الزلزلة الكبرى التي حصلت سنة ١٢٣٧ فهدمت الكثير من مبانيها ، والذي يظهر أن إبراهيم باشا نقل الكثير من حجارة هذه الأبنية في تعمير الثكنة الكبيرة شمالي حلب المعروفة بقشلة الشيخ يبرق ، وقدمنا أن جميل باشا في أول هذا القرن نقل الكثير من بلاطها الخارجي في عمارة هذه الثكنة أيضا.
وبالجملة فإن هذه القلعة كما قاله مؤرخو حلب من عجائب الدنيا ومن الآثار العظيمة في الشهباء ، وإذا جلت فيها قليلا تظللك الهيبة وتعتريك الخشية وتظهر لك رفعة شأنها وتتجلى لك عظمة البانين لها وتناديك بلسان حالها :
هذه آثارنا تدل علينا |
|
فانظروا بعدنا إلى الآثار |
ويظهر لك أيضا مقدار عنايتهم بإنشاء القلاع والحصون المنيعة وتقوية وسائل الدفاع وأنهم كانوا يبذلون كل مرتخص وغال من نفائس أموالهم في سبيل المحافظة على أوطانهم وبلادهم معتقدين أن ذلك من الأمور المفترضة والواجبات المقدسة بها يتقربون إلى الله وبها ينالون رضاه.
وإذا تخيلت من وصفها هنا ما كانت عليه حينما كانت قصورها شامخة ومبانيها مشيدة وهي مزينة بما فيها من المتاحف مزدانة بمن فيها من الملوك والأمراء آهلة بمن فيها من السكان ورأيت ما صارت إليه الآن وقد طمست فيها تلك المعالم وذهبت منها تلك المحاسن ولم يبق من تلك الديار إلا بعض الرسوم وبقية الآثار ، هنالك تتقد في فؤادك نيران الزفرات والحسرات وتسح من مآقيك الدموع والعبرات وتنوح على مجد مضى وعز سلف ، بيد أن ذلك لا يعود عليك بشيء من الجدوى ولا يزيل عنك تلك الشكوى ، والدواء الوحيد لاستعادة ذاك الشرف الباذخ والعز الرفيع لا يكون إلا بإزالة غشاوة الجهل عن هذه العيون وإماطة حجاب الغفلة عن هذه القلوب والاستنارة بنور العلم والاستهداء بنجومه ، ولا حياة مع ذلك إذا لم تعتصم هذه الأمة بحبل الدين المتين وتستمسك بعروته الوثقى وتجعله أساس نهضتها ودعامة رقيها مع التخلق بالأخلاق الفاضلة والمزايا العالية ، فذلك مفتاح كل نجاح والوسيلة لكل فلاح ، وبذلك تستبدل العناء بالهناء والكدر بالصفاء وتستعيد مكانتها الأولى ومنزلتها السامية وتنال عز الدنيا وسعادة الآخرة.