وفي تفسير علي بن إبراهيم (١) ، في قصة غزوة تبوك : وقد كان تخلّف عن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ قوم من المنافقين ، وقوم من المؤمنين مستبصرين لم يعثر عليهم في نفاق ، منهم كعب بن مالك الشّاعر ، ومرارة (٢) بن (٣) الرّبيع ، وهلال بن أميّة الواقفيّ.
فلمّا تاب الله عليهم ، قال كعب : ما كنت قطّ أقوى مني من ذلك الوقت الّذي خرج رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى تبوك. وما اجتمعت لي راحلتان قط ، إلّا في ذلك اليوم. فكنت أقول : أخرج غدا ، أخرج بعد غد فاني قويّ (٤). وتوانيت ، وبقيت بعد خروج رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أياما أدخل السوق ولا أقضي حاجة.
فلقيت هلال بن أميّة ومرارة بن الرّبيع ، وقد كانا تخلّفا ـ أيضا ـ. فتوافقنا أن نبّكر إلى السّوق ولم نقض حاجة. فما زلنا نقول : نخرج غدا وبعد غد ، حتّى بلغنا إقبال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فندمنا.
فلمّا وافى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ استقبلناه نهنّئه (٥) بالسّلامة. فسلّمنا عليه ، فلم يردّ علينا السّلام ، وأعرض عنا. وسلّمنا على إخواننا ، فلم يردّوا علينا السلام. فبلغ ذلك أهلينا ، فقطعوا كلامنا. وكنّا نحضر المسجد ، فلا يسلّم علينا أحد ولا يكلّمنا.
فجاءت (٦) نساؤنا إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فقلن : قد بلغنا سخطك على أزواجنا ، أفنعتزلهم؟
فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : لا تعتزلنّهم (٧) ، ولكن لا يقربوكنّ.
فلمّا رأى كعب بن مالك وصاحباه ما قد حلّ بهم ، [قالوا] (٨) ما يقعدنا بالمدينة ولا يكلّمنا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ولا إخواننا ولا أهلونا. فهلموا [نخرج] (٩) إلى هذا الجبل ، فلا نزال فيه حتّى يتوب الله علينا أو نموت.
فخرجوا إلى ذناب جبل بالمدينة. فكانوا يصومون ، وكان أهلوهم يأتونهم بالطّعام فيضعونه ناحية ثمّ يولّون عنهم فلا يكلّمونهم. فبقوا على هذه الحالة أيّاما كثيرة ، يبكون
__________________
(١) تفسير القمي ١ / ٢٩٦ ـ ٢٩٧.
(٢) المصدر : مرادة.
(٣) ليس في ر : بن.
(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : مقوي.
(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : تهنئة.
(٦) المصدر : فجئن.
(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : لا تعتزلهم.
(١ و ٩) ـ من المصدر.