في أحدهما : عن القراءة خلف الإمام في الركعتين الأخيرتين ، فقال : « الإمام يقرأ بفاتحة الكتاب ومن خلفه يسبّح » (١).
وفي الثاني : « إني أكره للمؤمن أن يصلّي خلف الإمام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة فيقوم كأنه حمار » قال : قلت : يصنع ما ذا؟ قال : « يسبّح » (٢).
وهي وإن كانت ظاهرة في الأوليين من الإخفاتية إلاّ أن قوله : « فيقوم كأنه حمار » ظاهر في كراهة السكوت مطلقا ، وإنما لم يكره في أوليي الجهرية كما يفهم منها لقيام الإنصات مقام القراءة فيها ، فكأنه غير ساكت أصلا.
والكراهة فيها يمكن أن يراد بها المعنى الأعم من الحرمة ومن المصطلح كما هو الأصل ، مع عدم ثبوت كونها حقيقة في الثاني في الشرع ، وعليه فيمكن إرادة المعنيين منها بدليل من خارج ، بالنسبة إلى الركعتين الأوليين فالمصطلح كما صرّح به جمع ، وإلى الأخيرتين فالمنع عن السكوت كما يقتضيه العمومات والأصل. هذا مع أنه أحوط ؛ لندرة القول بتحتم السقوط هنا ، وإطباق من عدا القائل به على جواز التسبيح والقراءة مخيرا بينهما ، وإن اختلف في جواز السكوت أيضا أم لا ، وأفضلية التسبيح أو القراءة أو تساويهما.
ويمكن الاستدلال على عدم تحتم السقوط هنا بفحوى الصحاح المستفيضة وغيرها المتقدمة الدالة على جواز القراءة بل استحبابها في أوليي الجهرية مع عدم سماع الهمهمة ، فلأن تجوز في أخيرتيها بطريق أولى ؛ ولعلّه لهذا لم يمنع في الذخيرة عن القراءة فيهما (٣). وحيث ثبت جواز القراءة فيهما
__________________
(١) الكافي ٣ : ٣١٩ / ١ ، التهذيب ٢ : ٢٩٤ / ١١٨٥ ، الوسائل ٨ : ٣٦١ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٢ ح ٥.
(٢) الفقيه ١ : ٢٥٦ / ١١٦١ ، التهذيب ٣ : ٢٧٦ / ٨٠٦ ، الوسائل ٨ : ٣٦٠ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٢ ح ١.
(٣) الذخيرة : ٣٩٧.