وإن كان المنع مطلقا أحوط ؛ لدعوى الحلّي الإجماع عليه كما حكي (١) ، وقوة احتمال استنباطه من إطلاق الآية الكريمة وإن اختصت بالمشركين خاصة ، لظهورها في أن علّة المنع هي النجاسة ، وهي جارية في مفروض المسألة ، ونحوها الرواية النبوية وإن كانت مرسلة ، لأنها بموافقتها لها منجبرة ، وهما كما ترى مطلقتان شاملتان لصورتي التلويث وعدمه.
وليس ما ذكره الشهيدان من أدلة الجواز في الصورة الثانية بعامة لجميع أفرادها حتى التي لم يتحقق فيها الإجماع وكانت محل النزاع ؛ لأن غاية تلك الأدلة إخراج مواردها خاصة من إطلاق الآية والرواية. وتتميمها بالإجماع المركب غير متوجه في محل الخلاف والبحث ، اللهم إلاّ أن يدّعى حصول الظن من تتبع الجواز في تلك الموارد بالجواز في غيرها ، وهو في غاية القوة.
مع إمكان المناقشة في دلالة الآية والرواية :
أما الأولى فلعدم معلومية المراد ممّا فيها من لفظ النجس هل هو المعنى اللغوي أو المعنى المصطلح ، ولا يتم دلالتها إلاّ بالثاني ، وهو غير معلوم ، بناء على عدم ثبوت الحقيقة الشرعية في أمثاله ، وتعيينه بتفريع « فلا يقربوا » عليه غير متضح بعد عموم المعنى اللغوي للخبث الباطني الموجود في المشركين ، فلا ينافيه ، فتأمل.
وأما الثانية فلاحتمال المساجد في مواضع الجبهة ، مع أنها ضعيفة السند ، والآية بعد المناقشة في دلالتها أيضا لا تصلح للجبر.
وحيث ضعف الاستناد إليهما في أصل الحكم انحصر الدليل في إثباته في الإجماع ، وليس في مفروضنا لا محقّقا ولا محكيا ، عدا إجماع الحلّي.
وفي الخروج بمجرده عن الأصل القطعي المعتضد بعمل الأكثر ، بل عامة من
__________________
(١) حكاه عنه في الذخيرة : ٢٥٠.