التقصير ، فقال : « بريد ذاهبا وبريد جائيا ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا أتى ذبابا (١) قصر ، لأنه إذا رجع كان سفره بريدين ثمانية فراسخ » (٢).
وهو كالنص في وجوب التقصير ؛ لتعليله فيه بحصول الثمانية التي هي أصل المسافة التي يجب فيها التقصير إجماعا.
ونحوه الموثق المعلّل له بأنه إذا ذهب بريدا وآب بريدا فقد شغل يومه (٣).
وبهذه الأدلة يجمع بين النصوص المتقدمة بكون المسافة ثمانية والصحاح المستفيضة الآمرة بالقصر في أربعة ، بتعميم الأوّلة للثمانية الملفّقة من الأربعة الذهابية والإيابية ، وتقييد الأربعة بها لا مطلقا وإن كان (٤) متبادرا منها ، كما أن الثمانية الذهابية خاصة متبادرة من الأوّلة ، لكن التبادر لا حكم له بعد وجود الصارف عنه من نحو ما قدمناه من الأدلّة.
خلافا للشهيدين وغيرهما من المتأخرين (٥) ، فلم يوجبوا القصر وخيروا بينه وبين التمام ، وفاقا للتهذيب (٦) ؛ جمعا بين أخبار الثمانية والأربعة المطلقة والملفقة ، بحمل الأوّلة على ظواهرها مطلقا (٧) ، وتقييد الأربعة المطلقة بالملفقة ، لأخبارها ، أو من غير تقييدها ، ثمَّ حمل الأمر بالقصر فيها أجمع على الرخصة ترجيحا لأخبار الثمانية.
ولا شاهد له عليه مع إمكان الجمع بما مرّ ، مع كونه أظهر ؛ لوضوح
__________________
(١) ذباب : جبل قرب المدينة على نحو من بريد. مجمع البحرين ٢ : ٥٨.
(٢) الفقيه ١ : ٢٨٧ / ١٣٠٤ ، الوسائل ٨ : ٤٦١ أبواب صلاة المسافر ب ٢ ح ١٤ ، ١٥.
(٣) التهذيب ٤ : ٢٢٤ / ٦٥٨ ، الوسائل ٨ : ٤٥٩ أبواب صلاة المسافر ب ٢ ح ٩.
(٤) أي الإطلاق.
(٥) الشهيد الأول في الذكرى : ٢٥٦ ، الشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٨٤ ؛ وانظر المدارك ٤ : ٤٣٧.
(٦) التهذيب ٣ : ٢٠٨.
(٧) أي : في كل من ظاهر امتداد الثمانية ووجوب القصر. منه رحمه الله.