مع اختصاص ما دلّ من النص والفتوى على التمام إذا لم يقصد المسافة أو رجع عنها ـ بحكم التبادر وغيره ـ بغير محل البحث ، وهو ما لم يقصد فيه المسافة أصلا ، أو قصد الرجوع في أثنائها إلى منزله.
وبما ذكرنا صرّح في روض الجنان ، إلاّ أنه احتمل في المثال عدم الترخيص ، قال : لبطلان المسافة الأولى بالرجوع عنها ، وعدم بلوغ القصد الثاني مسافة (١).
وهو ضعيف ؛ إذ لا دليل على بطلانها بمجرد الرجوع عن شخصها مع بقاء نوعها ، لما عرفت من اختصاص النص والفتوى الدالّين عليه بصورة الرجوع عنها أصلا ، وعليه فيرجع إلى حكم الأصل ، وهو استصحاب بقاء وجوب القصر.
ولعلّه لذا أفتى في النهاية بوجوب القصر هنا في الأربعة الإيابية مطلقا (٢) ، مع أن مذهبه فيها إذا قصد في مبدإ السفر تلفيقها ثمانية مع عدم الرجوع ليومه عدم وجوبه ، بل جوازه.
ووجه الفرق بينهما عدم ثبوت ما يوجب تحتم القصر في الثاني من ثبوته واستصحاب وجوبه ، بخلاف الأول ، لثبوته فيه. ومحصّله : حصول موجب القصر الاتفاقي ، وهو قصد الثمانية الذهابية في مبدأ السفر في الأول ، دون الثاني ، إذ المسافة المقصودة فيه أوّلا إنما هو الثمانية الملفّقة المختلف في إيجابها القصر أو ترخيصه.
والحاصل : أن الشيخ لم يكتف بالتلفيق في إيجابه القصر إذا حصل في أول السفر وقبل ثبوت القصر ، واكتفى به فيه بعد ثبوته بحصول موجبه من قصد
__________________
(١) روض الجنان : ٣٨٥.
(٢) النهاية : ١٢٢.