______________________________________________________
وإن أمكن تكلّف حمل قوله : ( فإنّه لا ينصرف الى مصالح أهل الذمّة ) على أنّه لا يصرف الى مطلق مصالحهم ، بل الى ما يعد من مصالحهم معصية لكن في قوله : ( ولو وقف على البيع والكنائس ... ) تكرار لا فائدة فيه ، لأنّ المنع من ذلك قد استفيد من قوله : ( بخلاف الوقف على البيع ) لأنّ المتبادر منه أنّ مخالفته لما قبله في عدم الصحة ، إذ لو حمل على أنّ المراد : المخالفة باعتبار أنّه لا ينصرف الى مصالح أهل الذمّة لكان كلاما مع فساده عريا عن الفائدة ، لأنّ البحث عن انصرافه الى مصالحهم وعدمه هاهنا إنّما هو بفرض صحة الوقف وفساده.
وأمّا الوقف على معونة الزناة وقطاع الطريق ، أو على كتبة التوراة والإنجيل ، ونحو ذلك فإنّه فاسد ، لأنّ ذلك كله محرّم ، لأنّ الإعانة على فعل المعصية معصية ، ومن شرط صحة الوقف كونه قربة ، وأمّا التوراة والإنجيل فإنّهما منسوخان ، محرّفان ، فيحرم كتبهما والنظر إليهما ، وقد روى العامة أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم خرج الى المسجد فرأى في يد عمر صحيفة فيه شيء من التوراة فغضب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لمّا رأى الصحيفة في يد عمر وقال له : « أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ ألم آت بها بيضاء نقية؟ ولو كان أخي موسى حيا لما وسعه إلاّ اتباعي » (١) ولو لا أن ذلك معصية ما غضب منه.
قال الشيخ : إنّ العلّة في التحريم إنّهما محرّفان ، لأنّ النسخ لا يذهب بحرمتهما كالمنسوخ من القرآن ، وقال وهذا لا خلاف فيه (٢) ويشكل بأنّ في كتبهما فساد آخر لمخالفة الملتين لملتنا بخلاف منسوخ القرآن ، وقد سبق في البيع جواز حفظهما وغيرهما من كتب الضلال لغرض النقض والحجة ، فلا مانع من جواز الوقف على ذلك ، ولم يذكروه.
__________________
(١) نقله ابن قدامة في المغني ٦ : ٢٦٨.
(٢) المبسوط ٣ : ٢٩٥.