لا يخفى أنّ الإجماع المنقول يرجح الحمل على التقية ، سيّما مع كونه بالنحو الذي أشرت ، فإنّه يعيّن الحمل عليها ، سيّما بملاحظة أنّ العامّة شعارهم القول بطهارة هؤلاء. وورد عنهم عليهمالسلام أخبار كثيرة في أنّ الرشد في ما خالف العامّة ، لا الخبر الذي وافقهم ، وورد منهم الأمر بترك ما وافقهم والأخذ بما خالفهم (١) ، مع أنّه ورد منهم : أن من أسباب اختلاف الأخبار منهم ـ بل وعمدتها ـ التقية (٢) ، والاعتبار أيضا شاهد على ذلك.
وأيضا ديدن الشيعة في الأعصار والأمصار ترك ما وافق العامّة ، والأخذ بما خالفهم في المسائل الشرعية ، حتى أنّهم لو كانوا يرون من حديث ما يومئ (٣) إلى التقية قالوا : أعطاك من جراب النورة (٤).
وأيضا صحيحة إسماعيل بن جابر فيها شهادة واضحة على التقية ، لأنه منع عن الأكل بعبارة دالة على التحريم ، ثم سكت هنيئة ، وهو هيئة من تأمّل في أنّه ما ذا يصنع ويقول ، ثم منع بالعبارة الدالة عليه ، ثم سكت بالهيئة المذكورة ، ثم منع بالنحو السابق ، ثم قال : لا يقال : إنّه حرام ، ولكن تتركه تنزّها عنه من جهة الخمر والخنزير في آنيتهم. وهذا هو المناسب لمذهب العامّة ، وما سبق منه يشهد على أنّ المقام مقام اضطراب ، فتأمّل.
وأيضا صحيحة علي بن جعفر فيها شهادة واضحة على التقية ، لأنّه منع عن الوضوء بعبارة تكون حقيقة في الحرمة ، ثم استثنى صورة الاضطرار ـ ليس إلاّ ـ والضرورات ، هي التي تبيح المحظورات ، ولو كان طاهرا لما فعل كذا قطعا ، والظاهر أنّ الاضطرار هنا من جهة التقية.
__________________
(١) انظر الوسائل ٢٧ : ١٠٦ أبواب صفات القاضي ب ٩ ، والبحار ٢ : ٢١٩.
(٢) انظر الوسائل ٢٧ : ١٠٦ أبواب صفات القاضي ب ٩ ، والبحار ٢ : ٢١٩.
(٣) في « ج » و « د » : يؤدّي.
(٤) انظر الضعفاء لأبي جعفر العقيلي ٢ : ٩٧.