[ثمّ قال ـ عليه السّلام ـ :] (١) أخبرني عن الرّسل الّذين اصطفاهم الله ـ عزّ وجلّ ـ وأنزل عليهم الكتب (٢) وأيّدهم بالوحي والعصمة ، إذ هم أعلام الأمّم وأهدى إلى الاختيار منهم ، مثل موسى وعيسى ـ عليهما السّلام ـ. هل يجوز مع وفور عقلهما وكمال علمهما ، إذ همّا بالاختيار ، أن تقع خيرتهما على المنافق وهما يظنّان أنه مؤمن؟
قلت : لا.
فقال : هذا موسى كليم الله ، مع وفور عقله وكمال علمه ونزول الوحي عليه ، اختار من أعيان [قومه ووجوه] (٣) عسكره لميقات ربّه ـ عزّ وجلّ ـ سبعين رجلا ممّن لا يشكّ في إيمانهم وإخلاصهم ، فوقعت خيرته على المنافقين. قال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا) ـ إلى قوله ـ : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ). فلمّا وجدنا اختيار من قد اصطفاه الله ـ عزّ وجلّ ـ بالنّبوّة واقعا على الأفسد دون الأصلح ، وهو يظنّ أنّه الأصلح دون الأفسد ، علمنا أن [لا اختيار إلّا لمن يعلم ما تخفي الصدور وما تكنّ الضمائر وتتصرّف عليه السرائر ، وأن لا خطر لاختيار] (٤) المهاجرين والأنصار بعد وقوع خيرة الأنبياء على ذوي الفساد لمّا أرادوا أهل الصّلاح.
(إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ) : ابتلاؤك ، حين أسمعتهم كلامك حتّى طمعوا في الرّؤية. أو أوجدت في العجل خوارا ، فزاغوا به.
(تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ) : ضلاله بالتّجاوز عن حدّه ، أو باتّباع المخايل.
(وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ) : هداه ، فيقوى بها إيمانه.
وفي تفسير العيّاشي (٥) : عن محمّد بن أبي حمزة ، عمّن ذكره ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ).
فقال موسى ـ عليه السّلام ـ : يا ربّ ، ومن أخار الصّنم؟
فقال الله : أنا يا موسى (٦) ، أخرته.
فقال موسى : (إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ).
__________________
(١) ليس في المصدر.
(٢) المصدر : الكتاب.
(٣) من المصدر. وفي النسخ : قوم.
(٤) من المصدر. وفي النسخ : اختيار.
(٥) تفسير العيّاشي ٢ / ٢٩ ، ح ٧٩.
(٦) هكذا في المصدر. وفي النسخ : يا موسى أنا.