فقال : ادخل.
فدخل إبليس.
فلمّا أخذوا مجلسهم ، قال أبو جهل : يا معشر قريش : إنّه لم يكن أحد من العرب أعزّ منّا. نحن أهل الله ، وتغدوا إلينا العرب في السّنة مرّتين ويكرموننا ونحن في حرم الله ، لا يطمع فينا طامع. فلم نزل كذلك ، حتّى نشأ فينا محمّد بن عبد الله. فكنّا نسمّيه الأمين ، لصلاحه وسكونه وصدق لهجته ، حتّى إذا بلغ ما بلغ وأكرمناه ، ادّعى أنّه رسول الله. وأنّ أخبار السّماء تأتيه. فسفّه أحلامنا ، وسبّ آلهتنا ، وأفسد شبابنا ، وفرّق جماعتنا ، وزعم أنّه من مات من أسلافنا ففي النّار. فلم يرد علينا شيء أعظم من هذا ، وقد رأيت فيه رأيا. وما رأيت؟
قال : رأيت أن ندسّ إليه رجلا منّا ليقتله. فإن طلبت بنو هاشم بدمه ، أعطيناهم عشر ديات. فقال الخبيث : هذا رأي خبيث.
قالوا : وكيف ذلك؟
قال : لأنّ قاتل محمّد مقتول لا محالة. فمن هذا الّذي يبذل نفسه للقتل منكم؟
فإنّه إذا قتل محمّد ، تعصّبت (١) بنو هاشم وحلفاؤهم من خزاعة. وأنّ بني هاشم لا ترضى أن يمشي قاتل محمّد على الأرض ، فتقع بينكم الحروب في حرمكم وتتفانوا به.
فقال آخر منهم : فعندي رأي آخر.
قال : وما هو؟
نبيّته (٢) في بيت ونلقي إليه قوته ، حتّى يأتيه ريب المنون فيموت ، كما مات زهير والنّابعة وامرؤ القيس.
فقال إبليس : هذا أخبث من الآخر.
قالوا : وكيف ذلك؟
قال : لإنّ بني هاشم لا ترضى بذلك. فإذا جاء موسم من مواسم العرب ، استعانوا (٣) بهم واجتمعوا عليكم فأخرجوه.
وقال آخر منهم : لا ، ولكنّا نخرجه من بلادنا ونتفرّغ نحن لعبادة آلهتنا.
__________________
(١) المصدر : تغضب.
(٢) المصدر : نثبته.
(٣) المصدر : استغاثوا.