فقال إبليس : هذا أخبث من الرّأيين المتقدّمين.
قالوا : وكيف ذلك؟
قال : لأنّكم تعمدون إلى أصبح النّاس وجها وأنطق النّاس لسانا وأفصحهم لهجة ، فتحملونه إلى بوادي (١) العرب فيخدعهم ويستجرّهم (٢) بلسانه. فلا يفجأكم إلّا وقد ملأها عليكم خيلا ورجالا (٣).
فبقوا حائرين. ثمّ قالوا لإبليس : فما الرأي فيه ، يا شيخ؟
قال : ما فيه إلّا رأي واحد.
قالوا : وما هو؟
قال : يجتمع من كلّ بطن من بطون قريش واحد ، ويكون معهم من بني هاشم رجل ، فيأخذون سكينة أو حديدة أو سيفا ، فيدخلون عليه فيضربونه كلهم ضربة واحدة ، حتى يتفرّق دمه في قريش كلّها. فلا يستطيع بنو هاشم أن يطلبوا بدمه ، وقد شاركوا فيه.
فإن سألوكم أن تعطوا الدّية ، فأعطوهم ثلاث ديات.
فقالوا : نعم ، وعشر ديات.
ثمّ قالوا : الرأي ، رأي الشّيخ النجديّ.
فاجتمعوا ، ودخل معهم في ذلك أبو لهب ، عمّ النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ.
ونزل جبرئيل على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وأخبره ، أنّ قريشا قد اجتمعت في دار الندوة يدبرون عليك. وأنزل الله عليه في ذلك (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ، وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ ، وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ).
واجتمعت قريش أن يدخلوا عليه ليلا فيقتلوه. وخرجوا إلى المسجد يصفرون ويصفّقون ، ويطوفون بالبيت. فأنزل الله (وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً) (٤). «فالمكاء» ، التصفير. و «التّصدية» صفق اليدين. وهذه الآية معطوفة على قوله : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا). وقد كتب بعد آيات كثيرة.
فلما أمسى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ جاءت قريش ليدخلوا عليه.
فقال أبو لهب : لا أدعكم أن تدخلوا عليه اللّيل. فإنّ في الدار صبيانا ونساء ، ولا
__________________
(١) المصدر : وادي.
(٢) المصدر : يسحرهم.
(٣) المصدر : رجلا.
(٤) الأنفال / ٣٥.