فقال لهم : الرأي أن أغيب من المدينة ، لئلّا اتّهم إلى أن يتمّ تدبيركم.
وكانوا أكيدر صاحب دومة الجندل ، ليقصد المدينة.
فأوحى الله ـ تعالى ـ إلى محمّد ، وعرّفه ما أجمعوا عليه من أمره ، وأمره بالمسير إلى تبوك.
وكان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ كلّما أراد غزوا ، ورّى بغيره. إلا غزاة تبوك ، فإنّه أظهر ما كان يريده وأمرهم أن يتزودوا لها. وهي الغزاة الّتي افتضح فيها المنافقون ، وذمّهم الله في تثبّطهم عنها. وأظهر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ما أوحى الله ـ تعالى ـ إليه ، أنّ الله سيظهره بأكيدر حتّى يأخذه ويصالحه على ألف أوقيّة ذهب في رجب ، ومائتي حلّة وألف أوقية في صفر ، [ومائتي حلّة] (١) وينصرف سالما إلى ثمانين يوما.
فقال لهم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : إنّ موسى وعد قومه أربعين ليلة ، وإني أعدكم ثمانين ، أرجع سالما غانما ظافرا بلا حرب يكون ولا يشتاك أحد من المؤمنين.
فقال المنافقون : لا والله ، ولكنها آخر كرّاته التي لا ينجبر بعدها. إنّ أصحابه ليموت بعضهم في هذه الحرب ورياح البوادي ومياه المواضع المؤذية الفاسدة ، ومن سلم من ذلك فبين أسير في يد أكيدر وقتيل وجريح.
واستأذنه المنافقون بعلل ذكروها ، بعضهم يعتل (٢) بالحرّ وبعضهم بمرض بجسده وبعضهم بمرض عياله. وكان يأذن لهم.
فلمّا أصبح وضحّ عزم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ على الرّحلة إلى تبوك ، عمد هؤلاء المنافقون فبنوا خارج المدينة مسجدا وهو مسجد الضّرار. يريدون الاجتماع فيه ، ويوهمون أنه للصّلاة. وإنما كان يجتمعون فيه لعلّة الصلاة فيتمّ تدبيرهم ويقع هناك ما يسهل به لهم ما يريدون.
ثمّ جاء جماعة منهم إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وقالوا : يا رسول الله ، إنّ بيوتنا قاصية عن مسجدك ، فإنّا نكره الصلاة في غير جماعة ويصعب علينا الحضور ، وقد بنينا مسجدا. فإن رأيت أن تقصده وتصلي فيه ، لنتيمن ونتبرك بالصلاة في موضع
__________________
(١) ما بين المعقوفتين ليس في المصدر.
(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : يقتل.