فلمّا نظر إليهما ، قال : لا والله ، ما هذا بإنصاف رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.
فقد غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر قد خرج في الضّحّ (١) والرّيح ، وقد حمل السّلاح يجاهد في سبيل الله ، وأبو خيثمة قويّ قاعد في عريشته وامرأتين حسناوين. لا والله ، ما هذا بإنصاف.
ثمّ أخذ ناقته فشدّ عليها رحله ، فلحق برسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. فنظر النّاس إلى راكب على الطريق ، فأخبروا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بذلك فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : كن أبا خيثمة. فكان أبا خيثمة (٢).
فأقبل ، وأخبر النبي بما كان منه. فجزاه خيرا ودعا له.
وكان أبو ذرّ ـ رحمه الله ـ تخلّف عن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ثلاثة أيّام ، وذلك أنّ جمله كان أعجف (٣) ، فلحق بعد ثلاثة أيّام. ووقف عليه جملة في بعض الطريق ، فتركه وحمل ثيابه على ظهره. فلمّا ارتفع النّهار ، نظر المسلمون إلى شخص مقبل. فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : كن أبا ذرّ.
فقالوا : هو أبو ذرّ.
فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : أدركوه بالماء ، فإنّه عطشان. فأدركوه بالماء. ووافى أبو ذرّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ومعه أداوة فيها ماء.
فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : يا أبا ذرّ ، معك ماء وعطشت؟
فقال : نعم ، يا رسول الله. بأبي أنت وأمي ، انتهيت إلى صخرة وعليها ماء السّماء ، فذقته فإذا هو عذب بارد. فقلت : لا أشربه حتّى يشربه حبيبي رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.
فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : يا أبا ذرّ ، رحمك الله ، تعيش وحدك وتموت وحدك وتبعث وحدك وتدخل الجنّة وحدك. يسعد بك قوم من أهل العراق يتولّون غسلك وتجهيزك والصّلاة عليك ودفنك.
وفي الجوامع (٤). والعسرة حالهم في غزوة تبوك. كان يعتقب العشرة على بعير
__________________
(١) الضحّ : الشمس. وقولهم : جاء فلان بالضحّ والريح ، أي : بما طلعت عليه. الشمس وما جرت عليه الريح.
(٢) ليس في المصدر : فكان أبا خيثمة.
(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : أعجب.
(٤) الجوامع / ١٨٨.