إلاّ أن يذبّ عنه بصرف النهي والإنكار على فاعل التمام بقصد وجوبه ، كما عليه الناس يومئذ ، ولا بأس به ، لإمكانه ، فيتعيّن ارتكابه.
وحينئذ فيقوّى القول بالتخيير ، بل ويتعيّن ؛ لاجتماع النصوص عليه أيضا ، مع وضوح الشاهد عليه من الإجماع المتقدم عن الأمالي ؛ مضافا إلى ما مرّ من صريح الرضوي المتضمن لقوله : « فإن سافرت إلى موضع مقدار أربعة فراسخ ولم ترد الرجوع ليومك فأنت بالخيار ، فإن شئت أتممت وإن شئت قصّرت » (١).
وممّا ذكرنا ظهر ما في قول الماتن ( ولم يثبت ) إذ أيّ دليل أجود من الرضوي وإجماع الأمالي ، المعتضدين بالشهرة القديمة ، وخصوص ما ورد من أخبار عرفة ، بناء على ما عرفت من الإجماع ممّن عدا العماني على عدم إبقائها على ظاهرها من وجوب القصر ، وعدم إمكان تخصيصها بإرادة الرجوع ليومه ، لصراحة جملة منها في الرجوع لغيره.
فليس بعد ذلك إلاّ حملها على أن المقصود بها إثبات جواز القصر لا وجوبه ، ويصرف الإنكار فيها عن التمام بالنهي وما في معناه إلى فاعله بقصد وجوبه ، كما قدّمناه ، وسيأتي مزيد تحقيق لهذا البحث (٢).
ولذا اختار جماعة من المتأخرين ـ كشيخنا الشهيد الثاني وولده وسبطه (٣) ـ القول بالتخيير مع عدم وقوفهم على الرضوي وإجماع الأمالي.
وعليه فهل الأحوط اختيار التمام أو القصر؟ إشكال : من إجماع السرائر والمختلف والأمالي وشيخنا الشهيد الثاني على حصول البراءة بالأول ، مع
__________________
(١) راجع ص ٣٣٨.
(٢) في مسألة اشتراط التوالي في نيّة الإقامة عشرة. منه رحمه الله.
(٣) الشهيد في روض الجنان : ٣٨٤ ، وولده في منتقى الجمان ٢ : ١٧٣ ، وسبطه في المدارك ٤ : ٤٣٧.