أحد القائلين بجواز التقصير في الأربعة مع عدم الرجوع ليومه ـ جعل في كتاب الحديث مقتضى الرواية الاولى ـ من حصول نية الإقامة عشرا مع العلم بالسفر أربعة فراسخ في أثنائها ـ من خصائص الحرمين اللذين هما موردهما (١).
وعلى هذا فتشذّ الروايات من هذا الوجه أيضا ، زيادة على ما مرّ من شذوذ جملة منها من حيث الدلالة على لزوم التقصير في الأربعة فراسخ مع عدم الرجوع ليومه.
هذا ، مع أن التوالي المبحوث عنه إنما يعتبر في ابتداء نيّة الإقامة إلى أن يصلّي تماما ، لا مطلقا ؛ لما سيأتي من الاتفاق فتوى ونصّا على أنه متى نوى الإقامة عشرة أيام وصلّى صلاة واحدة بتمام فإنه لا يقصّر حتى يقصد مسافة جديدة ، ولذا أن الشهيدين (٢) اللذين هما العمدة في اعتبار التوالي بالمعنى الأول في الإقامة صرّحا ـ كغيرهما (٣) ـ بأنه يتمّ إذا خرج بعدها إلى ما دون المسافة.
ولا ينافيه تصريحهم بلزوم التقصير في العود مع عدم العزم على إقامة مستأنفة ، وإلاّ فيتمّ مطلقا ؛ لأن ذلك منهم محمول على ما إذا حصل في العود قصد المسافة ليجامع ما مرّ من اتفاقهم على اعتبار مسافة جديدة في التقصير إذا سافر بعد الإقامة وإتمام صلاة واحدة ، مع تصريحهم أيضا بكونها من قواطع السفر ومنزّلة للمقيم منزلة المتوطّن.
وعلى هذا فتخرج الصحيحة الأخيرة ـ على تقدير سلامتها عمّا مرّ إليه الإشارة ـ عن مفروض المسألة ، وهو اعتبار التوالي بالمعنى الأول أو العرفي عند
__________________
(١) راجع التهذيب ٥ : ٤٢٧.
(٢) البيان : ٢٦٦ ، روض الجنان : ٣٩٤.
(٣) المدارك ٤ : ٤٦١.