وقرأ (١) علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ ورواها المفضّل عن عاصم ـ بفتح الياء على بنائه للفاعل ، ومعناه : يستوفون آجالهم ، قاله الزمخشريّ.
ويحكى أن أبا الأسود كان خلف جنازة ، فقال له رجل : من المتوفّي؟ بكسر الفاء ، فقال: الله ، وكان أحد الأسباب الباعثة لعلي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ على أن أمره بوضع كتاب في النّحو.
وقد تقدّم البحث في قوله تعالى : (يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) وهل «بأنفسهنّ» تأكيد أو لا؟ وهل نصب «قروء» على الظرف ، أو المفعوليّة؟ وهو جار ها هنا.
قوله : «منكم» في محلّ نصب على الحال من مرفوع «يتوفّون» والعامل فيه محذوف ، تقديره : حال كونهم منكم ، و «من» تحتمل التبعيض وبيان الجنس والأزواج ها هنا.
فصل في معنى «التربص»
و «التّربّص» : التأنّي والتصبّر عن النّكاح ، وترك الخروج عن مسكن النكاح بألّا تفارقه ليلا ، ولم يذكر الله تعالى السّكنى للمتوفّى عنها في كتابه كما ذكرها للمطلّقة بقوله : (أَسْكِنُوهُنَ) [الطلاق : ١] ، وليس في لفظ العدّة في القرآن ما يدلّ على الإحداد (٢) وإنما قال : «يتربّصن» فبينت السّنّة جميع ذلك.
__________________
(١) انظر : المحرر الوجيز ١ / ٣١٤ ، والبحر المحيط ٢ / ٣٢٣ ، ونسبها أبو حيان إلى علي والمفضل عن عاصم.
وانظر : الدر المصون ١ / ٥٧٧.
(٢) الإحداد مأخوذ من الحد وهو المنع ، يقال : حددت الرجل من كذا ، إذا منعته ، ومنه الحدود الشرعية ، لأنها تمنع من ارتكاب سببها ويقال للبواب : حداد أي : مانع ، ويقال : مزيدا ومجردا ؛ أحدت وحدت.
وفي الشرع : قال ابن عرفة : ترك ما هو زينة ولو مع غيره ، فيدخل فيه ترك الخاتم فقط للمبتذلة ، وقوله مع غيره ، معناه : أن ترك ما هو زينة وحده أي ما تتزين به كثوب الزينة وحده واجب ؛ وكذا ما تتزين به مع غيره ، فيدخل في ذلك من كان لها خاتم فقط ، وهي مبتذلة ولا زينة لها فيجب عليها طرح الخاتم ولو حديدا اه من الخرشي قال العلامة العدوي : هذا التعريف غير مانع لشموله من تركت ما هو زينة ، وهي غير معتدة ، سواء كانت ذات زوج أو لا ، مع أنه ليس من الإحداد ولو قال في التعريف : ترك ما هو زينة ، ولو مع غيره لزوجة مات زوجها المسلم ـ لسلم من ذلك اه.
واعلم أن الأصل فيه حديث الصحيحين : «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر ، أن تحد على ميت فوق ثلاث ، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا» أي : فإنه يحل لها الإحداد عليه ، أي : يجب ؛ للإجماع على إرادته والتقييد بالإيمان جرى على الغالب ، وإلا فالكتابية كذلك إذا مات زوجها المسلم.
اعلم أنه يجب على المرأة الكبيرة في عدة الوفاة دون الطلاق ترك التزين ، وعلى ولي الصغيرة أن يجنبها ما تتجنبه الكبيرة ، ولا فرق بين أن تكون مسلمة أو كتابية مات زوجها المسلم أن تحقق موته ، بل وإن كان مفقودا فإن زوجته تعتد عدة وفاة ، وتترك التزين مدة العدة لأنه ميت حكما.