[الزخرف : ٥٦] أي : أمة متقدمة تعتبر بهم من بعدهم ، وتجمع السّلف على : أسلاف وسلوف ، والسالفة والسّلاف : المتقدّمون في حرب أو سفر ، والسالفة من الوجه ؛ لتقدّمها ؛ قال: [الوافر]
١٢٦٠ ـ وميّة أحسن الثّقلين جيدا |
|
وسالفة وأحسنه قذالا (١) |
والسّلفة : ما يقدّم من الطعام للضّيف. يقال : «سلّفوا ضيفكم ، ولهّنوه» أي : بادروه بشيء مّا ، ومنه : السّلف في الدّين ؛ لأنه تقدّمه مال.
والسّالفة : العنق ؛ لتقدّمه في جهة العلو ، والسلفة : ما قدم قبل الطعام ، وسلافة الخمر : صفوتها ؛ لأنه أوّل ما يخرج من عصيرها.
فصل في تأويل ما سلف
قال الزجاج : أي صفح له عمّا مضى من ذنبه ، قبل نزول هذه الآية ؛ كقوله : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) [الأنفال : ٣٨] ، وضعّف ؛ بأن قبل نزول الآية في التحريم ، لم يكن ذلك حراما ، ولا ذنبا ؛ فكيف يقال المراد من الآية الصفح عن ذلك الذنب مع أنه ما كان هناك ذنب؟ والنهي المتأخر لا يؤثر في الفعل المتقدم! ولأنه تعالى أضاف ذلك إليه بلام التمليك ، وهو قوله : «فله ما سلف» أي : كلّ ما أكل من الرّبا ، وليس عليه ردّه ، فأمّا ما لم يقض بعد ، فلا يجوز له أخذه ، وإنما له رأس ماله فقط ؛ كما بيّنه تعالى في قوله تعالى : (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ) [البقرة : ٢٧٩].
فصل
قال ابن الخطيب ـ رحمهالله ـ : في قوله تعالى : (وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ) وجوه للمفسرين ، والذي أقوله : إنّ هذه الآية مختصة بمن ترك استحلال الرّبا من غير بيان أنه ترك أكل الربا ، أو لم يترك ؛ ويدلّ عليه مقدمة الآية ومؤخّرتها.
أمّا مقدمة الآية ؛ فلأن قوله (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى) ليس فيه بيان أنه انتهى عماذا ، فلا بدّ وأن يصرف ذلك إلى المدلول السابق ، وأقرب المذكورات إلى هذه الكلمة قولهم : (إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا) فكان قوله : «فانتهى» عائدا إليه فيكون المعنى : فانتهى عن هذا القول.
وأما مؤخرة الآية فقوله : (وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) معناه
__________________
(١) البيت لذي الرمة ينظر ديوانه ص ١٥٢١ ، والأشباه والنظائر ٢ / ١٠٦ ، وخزانة الأدب ٩ / ٣٩٣ ، والخصائص ٢ / ٤١٩ ، والدرر ١ / ١٨٣ ، وشرح المفصل ٦ / ٩٦ ، ولسان العرب ١١ / ٨٨ (ثقل) ، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ١ / ٣٤٩ ، ورصف المباني ص ١٦٨ ، وشرح شذور الذهب ص ٥٣٦ ، وهمع الهوامع ١ / ٥٩.