بواسطة ، فلا تجد إلى إثبات ذلك سبيلا ، وإن ادعيت حصولها بواسطة حركات الأفلاك ، [فنظيره أو ما يقرب منه حاصل للبشر ؛ فأجاب إبراهيم ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ بأن الإحياء والإماتة ، وإن حصلا بواسطة حركات الأفلاك](١) ، لكن تلك الحركات حصلت من الله تعالى ، وذلك لا يقدح في كون الإحياء والإماتة من الله تعالى ؛ بخلاف الخلق ، فإنهم لا قدرة لهم على تحريك الأفلاك ، فلا يكون الإحياء والإماتة صادرين منهم ، وعلى هذا تزول الإشكالات المذكورة ، والله سبحانه وتعالى أعلم.
[قال القرطبيّ (٢) : وروي في الخبر أن الله تعالى قال : «وعزّتي وجلالي لا تقوم السّاعة حتّى آتي بالشّمس من المغرب ليعلم أنّي أنا القادر على ذلك» (٣)](٤).
قوله : (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ) الجمهور : «بهت» مبنيّا للمفعول ، والموصول مرفوع به ، والفاعل في الأصل هو إبراهيم ، لأنه المناظر له ، ويحتمل أن يكون الفاعل في الأصل ضمير المصدر المفهوم من «قال» ، أي : فبهته قول إبراهيم ، وقرأ (٥) ابن السّميفع : «فبهت» بفتح الباء والهاء مبنيّا للفاعل ، وهذا يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون الفعل متعديّا ، وفاعله ضمير يعود على إبراهيم ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ ، و «الّذي» هو المفعول ، أي : فبهت إبراهيم الكافر ، أي : غلبه في الحجّة ، أو يكون الفاعل الموصول ، والمفعول محذوف ، وهو إبراهيم ، أي : بهت الكافر إبراهيم ، أي : لمّا انقطع عن الحجّة بهته ، أي : سبّه وقذفه حين انقطع ، ولم تكن له حيلة.
والثاني : أن يكون لازما ، والموصول فاعل ، والمعنى معنى بهت ، فتتّحد القراءتان ، أو بمعنى أتى بالبهتان ، وقرأ أبو حيوة : «فبهت» بفتح الباء ، وضمّ الهاء ؛ كظرف ، والفاعل الموصول ، وحكى الأخفش : فبهت بكسر الهاء ، وهو قاصر أيضا ، فيحصل فيه ثلاث لغات : بهت بفتحهما ، بهت بضم العين ، بهت بكسرها.
قال عروة العدويّ : [الطويل]
١١٩٢ ـ فما هو إلّا أن أراها فجاءة |
|
فأبهت حتّى ما أكاد أجيب (٦) |
فالمفتوح يكون لازما ومتعديا ، قال تعالى : (فَتَبْهَتُهُمْ) [الأنبياء : ٤٠].
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ١٨٥.
(٣) ذكره القرطبي في «تفسيره» (٣ / ١٨٥).
(٤) سقط في ب.
(٥) انظر : المحرر الوجيز ١ / ٣٤٧ ، والبحر المحيط ٢ / ٣٠٠ ، الدر المصون ١ / ٦٢٠. والشواذ ١٦.
(٦) البيت لعروة بن حزام. ينظر ديوانه ٥ ، ولكثير عزة. ينظر ديوانه ص ٥٢٢ ، وللمجنون. ينظر ديوانه ص ٤٩ ، وللأحوص. ينظر ملحق ديوانه ص ٢١٣. وينظر : خزانة الأدب ٨ / ٥٦٠ ، وابن يعيش ٧ / ٣٨ ، والكتاب ٣ / ٥٤ ، والحماسة الشجرية ١ / ٥٢٨ ، وسمط اللآلي ص ٤٠٠ ، والأغاني ٤ / ٢٥٠ ، والشعر والشعراء ص ٦٢٦.