على كل شيء قدير ، فحذف الأوّل ؛ لدلالة الثاني عليه ، كما في قولهم : «ضربني ، وضربت زيدا» فجعله من باب التنازع وجعله من إعمال الثاني ، وهو المختار عند البصريين ، فلمّا أعمل الثاني ، أضمر في الأول فاعلا ، ولا يجوز أن يكون من إعمال الأول ؛ لأنه كان يلزم الإضمار في الثاني بضمير المفعول ، فكأنه قال : فلمّا تبيّن له ، قال أعلمه أن الله. ومثله في إعمال الثاني : (آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً) [الكهف : ٩٦] (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) [الحاقة : ١٩] لما ذكرت.
إلّا أنّ أبا حيّان ردّ عليه بأنّ شرط الإعمال على ما نصّ عليه النحويون اشتراك العاملين ، وأدنى ذلك بحرف العطف ـ حتى لا يكون الفصل معتبرا ـ أو يكون العامل الثاني معمولا للأول ، نحو : «جاءني يضحك زيد» فإنّ «يضحك» حال عاملها «جاءني» فيجعل في : «جاءني» ، أو في : «يضحك» ضميرا ؛ حتّى لا يكون الفعل فاصلا ، ولا يرد على هذا جعلهم «آتوني أفرغ عليه قطرا» (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ) [النساء : ١٧٦] (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ) [المنافقون : ٥] و (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) [الحاقة : ١٩] من باب الإعمال ؛ لأنّ هذه العوامل مشتركة بوجه ما من وجوه الاشتراك ، ولم يحصر الاشتراك في العطف ولا العمل ، فإذا كان على ما نصّوا ، فليس العامل الثاني مشتركا مع الأول بحرف العطف ، ولا بغيره ، ولا هو معمول للأول ؛ بل هو معمول لقال ، و «قال» جواب «لمّا» إن قلنا : إنّها حرف ، وعاملة في «لمّا» إن قلنا : إنها ظرف ، و «تبيّن» على هذا القول مخفوض بالظرف ، ولم يذكر النحاة التنازع في نحو : «لو جاء قتلت زيدا» ، ولا «لمّا جاء ضربت زيدا» ، ولا «حين جاء قتلت زيدا» ، ولا «إذا جاء قتلت زيدا» ، ولذلك حكى النحاة أنّ العرب لا تقول : «أكرمت أهنت زيدا» ـ يعني لعدم الاشتراك بين العاملين ـ وقد ناقض قوله ؛ حيث جعل الفاعل محذوفا ، كما تقدّم في عبارته ، والحذف ينافي الإضمار ، فإن كان أراد بالإضمار في قوله : «وفاعل تبيّن مضمر» الحذف فهو قول الكسائيّ ؛ لأنه لا يجيز إضمار المرفوع قبل الذكر فيدّعي فيه الحذف ، وينشد : [الطويل]
١٢٠٧ ـ تعفّق بالأرطى لها وأرادها |
|
رجال فبذّت نبلهم وكليب (١) |
ولهذا تأويل مذكور ؛ وردّ عليه بالسماع قال القائل : [البسيط]
١٢٠٨ ـ هوينني وهويت الخرّد العربا |
|
أزمان كنت منوطا بي هوى وصبا (٢) |
__________________
(١) البيت لعلقمة الفحل. ينظر : ديوانه (٣٨) ، شرح التصريح ١ / ٣٢١ ، المقاصد النحوية ٣ / ١٥ ، لسان العرب (زبي) ، الرد على النحاة ص ٩٥ ، شرح الأشموني ص ٣٠٤ ، أوضح المسالك ٢ / ٢٠١ ، تذكرة النحاة ص ٣٥٧ ، جمهرة اللغة ص ٩٣٦ ، والمقرب ١ / ٢٥١ ، المفضليات ٣٩٣.
(٢) ينظر : الهمع ٢ / ١٠٩ ، الدرر ٢ / ١٤٣ ، البحر ٢ / ٣٠٧ ، تذكرة النحاة ص ٣٥٩ ، الدر المصون ١ / ٦٢٩.