الفراء (١) : المعنى على الشرط والجزاء ؛ لأنّ معناه : إن أغمضتم أخذتم ، ولكن لمّا وقعت «إلّا» على «أن» ، فتحها ، ومثله ، (إِلَّا أَنْ يَخافا) [البقرة : ٢٢٩] (إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ) [البقرة: ٢٣٩]. وهذا قول مردود.
والجمهور على : «تغمضوا» بضمّ التاء ، وكسر الميم مخففة ؛ من «أغمض» ، وفيه وجهان :
أحدهما : أنه على حذف مفعوله ، تقديره : تغمضوا أبصاركم ، أو بصائركم.
والثاني : في معنى ما لا يتعدّى ، والمعنى إلّا أن تغضوا ، من قولهم : «أغضى عنه».
وقرأ (٢) الزهريّ : «تغمضوا» بضم التاء ، وفتح الغين ، وكسر الميم مشددة ؛ ومعناها كالأولى. وروي عنه أيضا : «تغمضوا» بفتح التاء ، وسكون الغين ، وفتح الميم ؛ مضارع «غمض» بكسر الميم ، وهي لغة في «أغمض» الرباعي ، فيكون ممّا اتفق فيه فعل وأفعل.
وروي عن اليزيديّ (٣) : «تغمضوا» بفتح التاء ، وسكون الغين ، وضمّ الميم.
قال أبو البقاء (٤) ـ رحمهالله ـ : «وهو من : يغمض ، كظرف يظرف ، أي : خفي عليكم رأيكم فيه».
وروي عن الحسن (٥) : «تغمّضوا» بضمّ التاء ، وفتح الغين ، وفتح الميم مشددة على ما لم يسمّ فاعله. وقتادة كذلك ، إلا أنه خفّف الميم ، والمعنى : إلّا أن تحملوا على التغافل عنه ، والمسامحة فيه. وقال أبو البقاء (٦) ـ رحمهالله ـ في قراءة قتادة : «ويجوز أن يكون من أغمض ، أي : صودف على تلك الحال ؛ كقولك : أحمدت الرجل ، أي : وجدته محمودا» وبه قال أبو الفتح.
وقيل فيها أيضا : إنّ معناها إلّا أن تدخلوا فيه وتجذبوا إليه.
والإغماض : في اللغة غضّ البصر ، وإطباق الجفن ، وأصله من الغموض ، وهو الخفاء ، يقال : هذا كلام غامض أي خفي الإدراك.
قال القرطبيّ (٧) : من قول العرب : أغمض الرجل ؛ إذا أتى غامضا من الأمر ؛ كما
__________________
(١) ينظر : معاني القرآن للفراء ١ / ١٧٨.
(٢) انظر : الشواذ ١٦ ، والمحرر الوجيز ١ / ٣٦٣ ، والبحر المحيط ٢ / ٣٣٢ ، والدر المصون ١ / ٦٤٧.
(٣) انظر : البحر المحيط ٢ / ٣٣٢ ، والدر المصون ١ / ٦٤٧.
(٤) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١١٤.
(٥) انظر : السابق ، والمحرر الوجيز ١ / ٣٦٣.
(٦) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١١٤.
(٧) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ٢١٢.