الثاني : أن المراد منه نفس الحرب ، وفيه تفصيل ؛ فنقول : إنّ المصرّ على فعل الربا ، إذا كان من شخص ، وقدر الإمام عليه قبض عليه وأجرى فيه حكم الله من التّعزير ، والحبس إلى أن تظهر منه التوبة ، وإن كان المصر ممن له عسكر وشوكة ، حاربه الإمام ، كما يحارب الفئة الباغية ، وكما حارب أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ مانعي الزكاة ، وكذا القول لو اجتمعوا على ترك الأذان ، وترك دفن الموتى ، فإنه يفعل بهم ما ذكرناه.
وقال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ من عامل بالربا ، يستتاب ، فإن تاب ، وإلّا ضرب عنقه (١).
والقول الثاني : أنه خطاب للكفار ، وأن معنى قوله : (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أي : معترفين بتحريم الربا (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا) أي : فإن لم تكونوا معترفين بتحريمه (فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) ومن ذهب إلى هذا القول ، قال : إنّ فيه دليلا على أنّ من كفر بشريعة واحدة من شرائع الإسلام ، فهو خارج من ملة الإسلام ، كافر كما لو كفر بجميع شرائعه.
قوله : (وَإِنْ تُبْتُمْ) فالمعنى على القول الأول : وإن تبتم عن معاملة الربا ، وعلى الثاني : من استحلال الربا (فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ) أي : لا تظلمون الغريم بطلب الزيادة على رأس المال (وَلا تُظْلَمُونَ) أي : بنقصان رأس المال.
قوله : (لا تَظْلِمُونَ) فيها وجهان :
أظهرهما : أنها لا محلّ لها ؛ لاستئنافها ، أخبرهم تعالى بذلك ، أي : لا تظلمون غيركم بأخذكم الزيادة منه ، ولا تظلمون أنتم ـ أيضا ـ بضياع رؤوس أموالكم.
والثاني : أنها في محلّ نصب على الحال من الضمير في «لكم» والعامل ما تضمّنه الجارّ من الاستقرار ؛ لوقوعه خبرا وهو رأي الأخفش.
وقرأ الجمهور الأول مبنيّا للفاعل ، والثاني مبنيا للمفعول. وروى أبان (٢) ، والمفضّل ، عن عاصم بالعكس. ورجّح الفارسي (٣) قراءة العامة ؛ بأنها تناسب قوله : (وَإِنْ تُبْتُمْ) في إسناد الفّعلين إلى الفاعل ، فتظلمون مبنيا للفاعل أشكل بما قبله. وقال أبو البقاء (٤) رحمهالله : يقرأ بتسمية الفاعل في الأوّل ، وترك التسمية في الثاني ؛ ووجهه : أنّ منعهم من الظلم أهمّ ؛ فبدئ به ، ويقرأ بالعكس ، والوجه فيه : أنه قدّم ما تطمئن به نفوسهم من نفي الظلم عنهم ، ثم منعهم من الظلم ، ويجوز أن تكون القراءتان بمعنى واحد ؛ لأنّ الواو لا ترتّب.
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ٨٨.
(٢) انظر : السبعة ١٩٢ ، والحجة ٢ / ٤١٣ ، والبحر المحيط ٢ / ٣٥٣ والدر المصون ١ / ٦٦٧.
(٣) انظر : الحجة للقراء السبعة ٢ / ٤١٤.
(٤) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١١٧.